كثيرا ما ينظر إلى فن السينما على أنه فن الممثل، أو بالأصح فن الممثل
النجم، يصدق هذا الرأي رغم وجود طاقم غني كبير في صناعة الأفلام، من كاتب
الفكرة أو القصة الى كاتب السيناريو والمصور ومهندس الصوت والديكور ومن
يقوم بالمونتاج وأعمال الماكياج والخدع، وفوق كل ذلك المخرج والمنتج
والموزع.
إن السبب وراء كل ذلك يعود الى أن النجم هو الذى يسوق الفيلم، بشكل أو
بآخر، رغم أن هناك العديد من الأفلام تنجح دون الحاجة الى نجم كبير، وهي
أفلام قليلة، كما أن هناك نوعية من الأفلام تسير عكس الاتجاه وتحقق أرباحا
كبيرة، ونقصد بذلك أفلام الرسوم المتحركة بأنواعها المختلفة.
سينما ونجوم
من منا يتصور السينما دون نجوم مثل كلارك غيبل أو جيمس دين أو روبرت
ميتشغوم أو روبرت نيرو أو صوفيا لورين أو مارلين مونرو أو بريجيت باردو أم
كيم نوفناك أو ارسولا اندرسن أو غير ذلك من الأسماء.
هذا الأمر ينطبق على السينما الفرنسية و الايطالية والاسبانية
والانجليزية، وينطبق أيضا على سينمات أخرى مثل التركية والارجنتينية
والعربية وفوق كل ذلك السينما الهندية التي تعتمد كليا على حضور الممثل أو
الممثلة.
لذلك يبقى هدف المنتجين دائما أن يولد نجم جديد، وفي تاريخ السينما
العربية تجارب كثيرة تؤكد على ذلك، وخصوصا وأن بعض المنتجين كان لهم سعي
مستمر للبحث عن نجم جديد بمواصفات خاصة، كما حدث مع عماد حمدي وشكري سرحان
وأحمد رمزي وكمال الشناوي وعمر الشريف وأنور وجدي ورشد اباضة وفريد شوقي
ومحمود ياسين وعادل امام ومحمد هنيدي وعلاء ولي الدين واحمد آدم وجوه
نسائية عديدة، كان اكتشافهم نجاحا للسينما، فعن طريقهم وزعت مئات الأفلام،
ولا نعلم بالتحديد حال السينما العربية وكيف كان يمكن ان يكون بدون هند
رستم أو نادية لطفي أو مريم فخر الدين أو ماجدة أو فاتن حمامة أو نجلاء
فتحي أو سعاد حسني أو نيللي أو ميرفت أمين وغير هؤلاء كثيرون . نعم تظل
السينما دائما باحثة عن النجم والنجم المختلف المتميز.
في هذا الفيلم "اتش دبوور" هناك نجم جديد اسمه "أحمد مكي"، ويرصد
النقاد بدايته الأولى في فيلم "ليلة البيبي دول" عندما ظهر سائق لتاكسي،
وقد لفت الأنظار بشعره الأشعث المتداخل الذي يشبه الكرة، وربما أيضا
بطريقته في النطق، وأشياء أخرى رآها المتفرج في مصر، إذ نحن نعلم أن هذه
الشخصية تبقى محلية، ربما تنجح داخل مصر ولا تحقق النجاح في الخارج الا في
حدود ضيقة جدا، والمسألة تتوقف على تواصل ونوع الإنتاج.
أول بطولة
إذن هذه هي أول بطولة لهذا الممثل، وأظن ان الشركة العربية للإنتاج
السينمائي قد راهنت على اسم أحمد مكي ودخلت في مغامرة جديدة، بحث عن اسم
تجاري مختلف، تخرج به من دائرة النجوم الضيقة، فأنتجت فيلم "اتش دبوور"
ليكون مختلفا، وربما نجحت في ذلك، بالتعاون مع بعض المنتجين المنفذين
الآخرين، ولاسيما وأن ظروف العرض مضمونة، بحكم وجود موزعين، كيف يمكن أن
نجد هذا الفيلم؟
إنه ولا شك لا يختلف في قصته عن عشرات الأفلام الأخرى المنتجة في مصر،
رغم أن الظاهر يقول عكس ذلك، فجوهر القصة يقوم بين الفقر والغنى أو بين
الفقير والغني، فهذا دبوور الأب "حسن حسني"، الرجل الغني، صاحب شركة
مستحضرات التجميل الناجحة، نراه يتحول الى رجل مفلس في لحظة واحدة، والفيلم
يمر على هذه النقطة بسرعة. فقط يركز على أن مستحضر من منتجات الشركة يسبب
تشوهات تؤدي الى سقوط الشعر "نوع من الشامبو"، ويأتى ذلك بعد الإعلان عن
توزيع هذا المستحضر، وبسبب رفع قضايا ضد دبوور أو ما أشبه ذك يودع في
السجن، كما تباع ممتلكاته ولا يبقى له شيء. وكما هي العادة، ينتقل الرجل
الغني من طبقته الى طبقة الفقراء ليعيش فيها وداخلها.
شخص مختلف
يقول لك الفيلم في البداية، وبطريقة أو بأخرى، بأن اتش دبوور الابن،
والمعنى اختصار لاسم "هيثم" شخص فاشل، رغم انه ابن أحد الأغنياء فهو فاشل
فى الدراسة، لا يهتم بشركة أبيه، ويفكر في مشروعات وهمية، فهو إذن أقرب الى
الشاب الغبي أو الساذج الذي يتصرف بتلقائية وبدون استخدام العقل. كما إن
سلوكه غريب، ليس في ملابسه الخارجية فقط، وانما مع من يعمل معه والأكثر
شهرة هو سائقه الخاص "سالوسي" ويقوم بدوره الممثل لطفى لبيب، فمن باب
التهريج يجبره هيثم دبوور على ان يرتدى تنورة اسكتلندية، وفى مرة اخرى
يلبسه بدلة سوبر مان، وهكذا يسعى الفيلم الى اكساب شخصية بطله بعض الغرابة
في السلوك لتكون مدخلا للارتباط به من قبل الجمهور.
يضع الفيلم منذ البداية خيطا يجمع بين الصراع والحب والتنافس، إذ يحكي
دبوور الأب قصته فيقول بأنه قد ارتبط بعلاقة عاطفية مع امرأة تدعى لطيفة
"تقوم بدورها هالة فاخر" وانه هجرها، وظلت دون زواج.
وهي تريد ان تنتقم لنفسها منه بتدبير المكائد له، ورغم عدم اتساق هذه
الفكرة مع معنى الحب، فإن الفيلم يعتمد عليها في تطور أحداثه المتتالية،
فعن طريق صيدلي أو باحث فى المتفجرات، يتم تزوير شهادة صحية لمستحضر
التجميل المقصود، ويدخل بذلك دبوور السجن، وينحدر ابنه الى طبقة أخرى
شعبية، هي طبقة السائق نفسه.
معالم حارة
لم ينجح ديكور الفيلم في رسم معالم الحارة الشعبية، فقد بدت أقرب الى
الغرف الملونة، كما لم تكتمل شخصيات الحارة بوضوح شديد، وربما كان السبب في
ذلك الميل نحو جعل الشخصيات كاريكتورية أكثر من اللازم.
من الشخصيات الجديدة "أرواح" وهي ابنة السائق الوحيدة، التى تجد نفسها
مع ابن مدلل في بيت واحد، بعد ان قرر هيثم دبوور أن يعيش في بيت سائقه،
ولاسيما بعد انصراف كل رفاقه من حوله، وبالطبع يجعل الفيلم ابنة السائق
محامية لكي تترافع عن دبور الأب، ولكن فعليا لا نرى شيئا مهما.
الجزء المهم من الفيلم عشناه مع هيثم وهو يحاول أن يتكيف مع عالمه
الجديد، عالم الفقراء والناس البسطاء، من حيث الأكل والملابس ولا يخلو
الفيلم من تهريج عند ما يتعامل هيثم مع أدوات لا يعرفها ولا يعرف كيفية
استعمالها.
من جانب آخر يشير الفيلم الى وجود الفول الصيني، عندما يصور عربة فول
يعمل عليها شاب وشابة صينية، وتجمع هذه العربة كل الأطراف في منافسة حاسمة
مع أبناء البلد أنفسهم. لعله مشهد خارج السياق، لكنه جيد.
رغم هذه الملاحظة الذكية، إلا أن هناك استطراد ليس له ضرورة ويتمثل
تحديدا في شخصية "كالوشا" وقد ِأدى الدور الممثل "سامح حسين"، فهو من ناحية
شبه مجرم ويعمل في المخدرات والترويج لها، وقد أضيفت مشاهد لدلالة على ذلك،
لكنها خارج السياق الفعلى للفيلم.كذلك اختطاف الصيدلي، وإجباره على
الاعتراف، لكنها محاولة تفشل أيضا. وبهذا صار منتصف الفيلم فارغا من
الأحداث، وحتى العلاقة المنتظرة بين أرواح وهيثم لم يحسن السيناريو
استخدامها لتطوير الأحداث.
هناك لازمة تكررت أكثر من مرة، ونقصد استغلال مشاهد سينمائية لأهداف
هامشية، مثل استغلال مشهد اغتصاب سعاد حسني في فيلم الكرنك وتقديم مشهد من
فيلم "مجموعة الاوشن"، ووجود كاتب يدعي أنه كتب عشرات الأفلام لكنها سرقت
منه.
بالطبع استقطاع هذه التفاصيل لا يصنع فيلما جديدا، لكن كثرة الشخصيات
الثانوية أضاعت أي خيط رئيسي، وهو غير موجود فعليا، فالفكرة بسيطة وغير
قابلة للتطوير، وربما من الصعوبة فهم الكيفية التي سقط بها دبور والأب الى
الفقر المطلق، وكيف يودع في السجن لمجرد أن منافسته قد قدمت ضده وشاية ما
غير واضحة.
تبرز الممثلة هالة فاخر في دور أقرب الى الكاريكتور، فهي تنطق الكلمات
بطريقة معينة و تذكر الأمثال دائما لكنها تضيف من عندها دائما الكلمة غير
المناسبة، وهي في جانب آخر لم تظهر باعتبارها شريرة، إلا أنها ظلت بعيدة عن
كونها سيدة أعمال، فلا توجد خلفية واضحة لما تقوم من عمل، في هذا الإطار
يبقى الممثل حسن حسني كما هو، أدوار متشابهة تتكرر حتى انه صار علامة مسجلة
في معظم الأفلام الكوميدية، ولاسيما في دور الأب الذي يعاني من مشكلات مع
ابنه أو ابنته، وقد ظل محافظا على أناقته وكل الماكياج الخاص به، رغم أنه
سجين شبه مستمر.
لقد اعتمد الفيلم على الشخصيات الثانوية كثيرا، فلا يوجد إلا بطل واحد
واضح، وهو احمد مكي، رغم انه ممثل جديد. وفي هذا مغامرة واضحة، لا أظن أنها
مرت بسلام، والمسألة تعود الى العائد المادي المتحقق عن الفيلم، وتقول
العائدات الاجتماعية بأنه جيد مقارنة بأفلام أخرى للممثلين معروفين.
من حين الى آخر هناك تلقائية وبساطة في الفيلم، ولكن تقنيا هناك ضعف
في اعداد المشاهد التي ظهرت مصطنعة، رغم النجاح في التمثيل بشكل عام وهو
أهم ما في الفيلم.
مثل العادة يقف الرجل الغني ليشكر أهل الحي الفقير الذين وقفوا معه في
محنته، وقد انتقل من مرحلة اللهو وعدم تحمل المسؤولية الى مرحلة جديدة وهي
الاعتماد على النفس وأخذ الأمور على محمل الجد، ولا شك أن مثل هذه المقولات
المعادة تتكرر دائما في السينما المصرية، حتى ولو جاءت بطرق مختلفة من حين
الى آخر.
أما أحمد مكي أو بعد تجارب بسيطة في أفلام مثل مرجان أحمد مرجان وابن
عز ومسلسل تامر وشوقية، ها هو يصبح أحد نجوم الكوميديا، وينتقل بهذا الفيلم
"اتش دبوور" الى مصاف أهل الإرباح والبطولات المطلقة، فقط عليه الا يكون
مثل محمد سعد، الممثل الذي صادفه الحظ مرات قليلة وصادفه الفشل مرات أكثر.
المخرج أحمد الجندي، كانت له تجربة سينمائية باسم "ظرف طارق 2006" ثم
كانت له تجربة أخرى في فيلم "حوش اللي وقع منك 2008"، وهو يسير على مهل
ويلجأ الى أبسط الحلول وأسهل الطرق محتفظا بالحوار دائما في الصدارة،
فالفيلم هو فيلم كلام قبل كل شيء وفيلم مواقف خفيفة، يمكن زيادة جرعاتها
ويمكن التقليل منها.
نعم من الواضح أن هذا الفيلم مقتبس، وخصوصا وان جوهر قصته تدور حول
اختراع لمستحضر تجميل، فيما يعرف باسم الصراع بين الشركات الكبيرة وهو أمر
بعيد عن الواقع في مصر، رغم ذلك ، فإن هناك جهدا كبيرا قد بذل من أجل ربط
الموضوع بالواقع، وهو أمر ايجابي على أي حال.
العرب أنلاين في
15/10/2009 |