تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الديكتاتور: فانتازيا بلا خيال.. وسياسة بدون عُمق..  ودراما علي الطريقة البامبوزيَّة

كتب محمود عبد الشكور

يعاني فيلم الديكتاتور الذي كتب قصته وقام ببطولته خالد سرحان وأخرجه إيهاب لمعي من عدة مشكلات تتعلق أساسًا بمعالجة الفكرة، وتستطيع أن تقول إن المشكلة الأساسية هي أن كل شيء تم بسطحية شديدة، وكل شيء تقريبًا يعاني من الفقر الإبداعي، هناك محاولة شروع في فانتازيا ولكن بدون خيال خصب يطور الفكرة ويدفع بها للأمام، وهناك أفكار سياسية ولكنها مأخوذة من السطح وعلي عجل، ولدينا شخصيات وبعض الأحداث الدرامية ولكنها تبدأ لتتوقف، وتتحرك لتقف مكانها، وكأن فوضي مملكة بامبوزيا التي يتحدث عنها الفيلم قد وصلت إلي كل العناصر فأصبحنا أمام تجربة بدائية وضعيفة.

الديكتاتور الذي اشترك ثلاثة - من بينهم المخرج - في كتابة السيناريو له ليس أول فيلم ينطلق في الخيال ليُسقط علي الواقع متحدثًا عن الديكتاتورية، ومن سوء حظ هذه التجربة المتواضعة أنه سبقها عملان كبيران لاثنين من أهم مخرجينا، في العمل الأول ناقش الراحل الكبير صلاح أبو سيف في فيلمه البداية الآليات التي تقود إلي صناعة ديكتاتور حتي وسط مجموعة من التائهين في الصحراء بعد سقوط طائرتهم، وفي العمل الثاني وعنوانه إسكندرية.. كمان وكمان قام يوسف شاهين بالاعتراف بأن الديكتاتورية داخل المبدعين أيضًا، وليست فقط عند المسئولين، أما الديكتاتور - العمل البائس - فكل بضاعته من الحكاية السخرية من أي ديكتاتور وإدانة أسرته وحاشيته ودمتم، وهذا الأمر يمكن اختزاله في مشهد أو مشهدين، وليس في فيلم طويل عريض يعيد ويزيد ويلتّ ويعجن صانعوه طوال الوقت أن الديكتاتور وحش وحاشيته فاسدة والشعب في حال بائسة بسببه وكأنهم يقدمون اكتشافًا غير مسبوق، والأعجب أن عدم القدرة علي تطوير وتعميق الفكرة أدي إلي بعض التشويش في الجزء الثاني من الفيلم حيث قد يتعاطف البعض مع الديكتاتور وابنه عند تعذيبهما، والأخطر من كل ذلك أن ثورة الشعب تفشل في النهاية ويستعيد الديكتاتور سلطته وكأن الاستبداد قدر لا مهرب منه.

بامبوزيا هي المملكة الخيالية التي يستولي فيها شنن الجيوشي حسن حسني علي السلطة بعد اغتيال الحاكم السابق دون أن نعرف أي معلومات سابقة عن شنن، وبعد أن يقوم بإنجاب ابنين هما حكيم و»عزيز يقوم بالدورين خالد سرحان لم يسعف الخيال صناع الفيلم سوي بمشاهد متكررة يظهر فيها عزيز كعاشق للنساء وللعربدة، ويبدو فيها حكيم شابًا انتهازيًا علي استعداد لبيع أي شيء في المملكة لمن يدفع أكثر، من الواضح أن الفيلم قال ما لديه في المشاهد الأولي، ولذلك لا توجد وسيلة لكي يصبح الفيلم طويلاً سوي بنفي الابن العربيد عزيز إلي مصر بالتحديد لتكون هناك مناسبة لظهور شخصية أخري مسطحة وساذجة هي مدرسة التاريخ بسمة مايا نصري التي تردد كلامًا نظريًا عن ثورات الشعوب، ومع ذلك تقبل أن تكون سكرتيرة في قصر عزيز حيث تتواصل العربدة النسائية بمساعدة قواد محترف يلعب دوره إدوارد، وبمباركة السفير البامبوزي في القاهرة.

من الناحية العملية لم يحدث شيء جديد رغم انتقال عزيز إلي مصر فقد تواصلت عربدته وعند القطع إلي ما يحدف في بامبوزيا ستتكرر مشاهد بيع حكيم لممتلكات البلد وسط دهشة الأب وفجأة تندلع ثورة شعبية لو صدقنا مشاهد المظاهرات أو انقلاب عسكري لو صدقنا مشاهد القوات التي اقتحمت قصر شنن وابنه وقبضت عليهما، والمضحك أن صناع الفيلم أنفسهم لن يعرفوا ما حدث بالضبط ولن يستطيعوا تفسيره خاصة أنهم قالوا في البداية إن شعب بامبوزيا لا يثور فما الذي حدث؟ الله أعلم المهم أنهم يريدون أن يسقطوا الديكتاتور لينعكس الأمر سلبياً علي وضع عزيز فيصبح لاجئاً سياسياً يهيم علي وجهه في الطرقات ويتعرف علي أولاد الشوارع وزعيمهم سفنجة شادي خلف الذي يقول عن نفسه إنه أيضا ديكتاتور ياعيني علي العمق الفلسفي وفجأة أيضا تصبح مدرسة التاريخ بسمة عاشقة للابن المطارد والمدهش حقا أنه بالتوازي مع هذه المشاهد التي قد تثير التعاطف مع الابن العربيد للديكتاتور يتم تعذيب الديكتاتور نفسه ومعه ابنه الآخر حكيم علي يد رجل من الشعب البامبوزي يحمل اسم الأشعث يريد الانتقام مما فعلته الأسرة في الشعب.

من الواضح أن بطارية الخيال والفكر والدراما فرغت منذ وقت طويل لذلك لا تستطيع أن تصف هذه المشاهد المتوالية سوي أنها أقرب إلي ملء الوقت ولأنه لا أحد بالضبط يعرف طبيعة ما حدث في بامبوزيا ولن يكون غريباً أن يعود شنن وابنه حكيم فجأة إلي السلطة بانقلاب مضاد علي ما يبدو ويكون العقاب مروعاً فيتم إحراق كوخ الأشعث العجيب في الوقت الذي ينقلب فيه عزيز علي مدرسة التاريخ العاشقة وطبعآً لا معني لكل ذلك لأنه لا الشخصيات تتصرف وفق أي منطق ولا الأحداث متماسكة ويمكن تصديقها ولا الفكرة واضحة هل يؤيد صناع الفيلم الثورة علي الديكتاتور أم إنهم وهذا هو الأرجح يرون أنه سيعود حتماً إلي مقعده وبالتالي مفيش أي فايدة، ما هي الإضافة التي يقدمها الديكتاتور عندما يسخر من استبداده دون أن يستكمل الصورة بالمصير المعروف لأي مستبد وكيف يمكن لمدرسة قرأت التاريخ جيداً أن ترتبط بابن ديكتاتور لا يفعل شيئاً سوي مطاردة الجميلات.

الديكتاتور فيلم شديد الضعف فنياً لأن صانعيه لم ينجحوا في تطوير الفكرة إلي سيناريو قوي ومتماسك، لقد اعتقدوا أن الملابس الملونة وبعض الأغنيات التي لم تقدم حتي بصورة مبتكرة بالإضافة إلي بعض العبارات السياسية والإفيهات الجنسية كافية لتقديم عمل جيد.. مشكلة إيهاب لمعي الأزلية هي السيناريو الضعيف الذي يضيع مجهوده وفي الديكتاتور تحديداً أفلتت بعض الإفيهات بسبب الإيقاع البطيء المقصود وكان القطع خشناً في مشاهد كثيرة بين حياة عزيز في مصر وحياة حكيم في بامبوزيا مونتاج مها رشدي وضاعت فرصة إثبات خالد سرحان لوجوده كبطل فبدا باهتاً في دوريه، أما حسن حسني وعزت أبوعوف ومايا نصري فأقترح تسفيرهم إلي بامبوزيا لعلهم يجدون فرصاً أفضل في المسلسلات هناك!.

روز اليوسف اليومية في

13/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)