تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

عن فيلم عادل امام الجديد «بوبوس» سقطة مريعة للزعيم

* رسمي محاسنة

" الزعيم"..واحدة من مسرحيات"عادل امام"، والتي اصبح اسمها لاحقا ، لقبا يناديه به الجميع"مراءة او مجاملة"، واصبح اللقب بالنسبة اليه ، حقا مكتسبا ، ومرتبطا بمخاطبته والتعامل معه ، وساهم في الامر كثير من الصحفيين ووسائل الاعلام ، الذين استمروا بالنفخ في"الزعيم"حتى اكتشف فجأة ، انه يسير فالفراغ ، وفي دوامة من الوهم ، لان الجمهور"قرر" انه يضعه في حجمه الحقيقي من خلال فيلمه الاخير"بوبوس"، الذي انفقت الشركة المنتجة عليه اموالا طائلة ، ودفعت ملايين"للزعيم"، الى جانب حملة اعلانية واسعة ، ترويجا للفيلم ، لكن الجمهور ، كان له رأي اخر في المسألة ، عندما احجم عن متابعة "النجم"، لانه اصبح يحفظه عن ظهر قلب ، حيث الافيهات ، والايحاءات الجنسية ، والضرب ، وافتتان الصبايا به ، ولاشئ غير ذلك ، فالفيلم عند"عادل امام"اصبح استنساخا سيئا لافلام هي رديئة اصلا.

انه في كثير من افلامه يتناول قضايا يمكن ان تكون مهمه وضرورية ، وتستحق ان تعالج سينمائيا ، والامثلة كثيرة ، لكن المشكلة ليست في الفكرة الاساسية لهذه الافلام ، وانما بالمعالجة الدرامية ، وكتابة السيناريو ، ومجاملة"النجم"، او قيام النجم بفرض شروطه ، التي تأخذ شكل رؤية ناقصة وغير واعية ، بالتركيز على دوره وشخصيته ، دون مراعاة للخط الدرامي العام للفيلم ، وبقية الشخصيات فيه.

فيلم"التجربة الدنمركية"كان يمكن طرح موضوع في غاية الاهمية ، وهو تمايز وتباين الثقافات الانسانية ، ومحاولة البحث عن قواسم مشتركة ، من خلال اطلالة على تفاصيل حياة كل مجتمع ، والمكونات التي تؤثر في سلوكه ، وتحكم قيمه ، والوصل فيما بين ثقافتين دون تصادم ، وانما باحترام الاخر والقبول به ، لكن"عادل امام"حول الفيلم الى تنافس على من يفوز بقلب الاجنبية القادمة من الخارج ، وانه هو الاكثر وسامة ، واثارة ، وتاثيرا على الصبايا ، فلا منافس له في هذا المجال ، وفي فيلم"السفارة في العمارة"هذا الموضوح الذي يجرح وجدان المصريين ، وكان يمكن ان يكون الفيلم تعبيرا عن حالة رفض جماهيرية ، فان"الزعيم"قد عمل على الاستفادة من الحماية الاكمنية التي تتمتع بها العمارة ، بحكم وجود السفارة فيها ، وبالتالي حرية الحركة ، ودخول النساء الى شقته دون اية مضايقات ، فهو"دنجوان"ولا وقت لديه للوقوع في مساءالات امنية واجتماعية ، وبالطبع فانه لاينسى هنا ان يستهزئ من تيار "اليسار"المعارض ، كما سبق له وان سخر من التيار الاسلامي في العديد من الافلام المكشوفة.

رغم ان لا الشكل ولا العمر ولا الملامح ، ولا الرشاقة تؤهله لان يستمر كفتى للشاشة طوال هذه السنين ، فلا وسامة: الان ديلون"ولا حضور"مارلون براندون"ورغم ذلك لم يجد"الزعيم"من يقف بوجهه ويقول له كفى ، لقد ان الاوان لك ان تبحث عن ادوار تتناسب وسنك وشكلك ، تكون اكثر عمقا ، وفيها جدية تتناسب مع تاريخ طويل من العمل في السينما. والتفكير من جديد في حقيقة موقعك بين الفنانين ، لقد وصل الجمهور الى حالة من القرف ، لتكرار نفس الافلام والمشاهد والافيهات ، والايحاءات التي لاتحترم عقل وذوق المشاهد ، واصابه الملل من هذه"الفحولة"الزائفة ، والشباب الذي يرفض حكم السنين.

احدث افلام"عادل امام"والذي سقط في امتحان شباك التذاكر ، هو فيلم"بوبوس"وهو يتناول مسالة في غاية الخطورة ، والاهمية ، قضية لها علاقة بالاقتصاد ، ورجاله ، والفساد الذي يتعامل به هذا القطاع الحيوي ، بتستر من رجال السياسة"الشركاء"في زواج غير شرعي بين السلطة والمال ، هذه الشراكة التي عملت على ايذاء المواطن المصري ، وتخريب اقتصاده ، من قبل رجال اتخذوا من"لندن"والعواصم الغربية مقر اقامة لهم ، بعد ان وجدوا من يسهل لهم عملية النهب ، والهرب ، و"المقاسمة "في الغنائم لاحقا.

ويفتح الفيلم على"محسن هنداوي"( عادل امام ) وهو مع مجموعة من اتجار الهاربين من مصر ، ويناقشون اوضاعهم ، ووضع الاقتصاد المصري ، في احد الملاهي ، يلتفون حول راقصة ، ومغنية ، وبالطبع نجدها في سرير"عادل امام"في اخر الليل ، هؤلاء الذين هربوا من مصر بعد ان تركوا وراءهم بنوكا على وشك الافلاس ، ومستثمرين عاديين رهنوا كل مالديهم على امل تحقيق ربح ما ، وملفات شائكة من الفساد في متوالية من الارقام والاسماء ، تفتح الباب على حالة من الذعر التي تشكك في بناء وقدرة الاقتصاد المصري ، حيث كل صفقة يلحق بها رشوة وفساد وتورط ، وتسهيلات ، واسماء استخدمت نفوذها لتسهل مهمات اللصوص.

" محسن الهنداوي"كلما تعثر نجده يركض سريعا الى رجل له نفوذه الذي يؤهله لازالة كل العقبات ، وفك الحجوز ، واعطاء تسهيلات بدون ضمانات ، لكن هذا بالطبع ليس خدمة مجانية ، وانما هو شراكة قائمة بين ابن المسوؤل المني الكبير ، الذي اسمه "عباس"ويطلقون عليه اسم"بوبوس"هذا الاسم الذي يفك الطلاسم ، ويفتح الطريق من جديد امام صفقات ورشوات ، ونهب ونخر في جسد الاقتصاد المصري تحت نظر ، وحماية العلاقة فيما بين المال والسلطة.

ويلتقي"محسن" بارملة رجل اعمال"مهجة"( يسرا) ، وهي متعثرة ايضا ، تبحث عن اي وسيلة لالتقاط انفاسها ، وهذا اللقاء فيما بينهما ينتج عنه مواقف ومفارقات ، وبالطبع لابد ان تقع في غرام" محسن"ومشاهد كثيرة فيها الايحاء والافيهات ، وتتخول العلاقة المصلحية فيما بينهما ، الى علاقة رومانسية فيها ايثار وتضحية حتى لو ادى الامر الى دخول السجن.

ان تصوير عالم التجار يحتاج الى فهم ورؤية ، يبدو انها غير متوافرة لدى الكاتب"يوسف معاطي"الذي استهلكه"عادل امام"في سنواته الاخيرة ، ويبدو انه يكتب على"مقاسات" النجم تماما ، ولكنه استنزف رصيده من"الافيهات"ولم يعد خياله قادرا على خلق مزيد من الايحاءات الجنسية الفجة ، وبالتالي فهو يوهمنا بانه يطرح مسالة مهمه ، لكنه في حقيقة الامر ابعد مايكون عن امتلاك الادوات التي تؤهله لفهم هذا العالم ، وعلاقاته ، وصفقاته ، واساليبه ، كا انه في نفس الوقت وقع في فخ التعميم ، واعطى صورة كاريكاتيرية بائسة عن رجال الاعمال ، وقطاع التجار ، وهذا التعميم من المؤكد انه غير واقعي ، فالحقيقة ان هناك تجارا ينتمون الى الطبقة الوطنية ، ويحققون ارباحا في نفس الوقت ، والمؤلف هنا يبتعد تماما عن تسليط الضؤ على هذه الطبقة الفاسدة ، وكان همه تسطير حوارات مبتذلة على لسان البطل ، وحتى على لسان البطلة وهي تتحدث عن زوجها المتوفي ، حوار يفتقد للحد الادنى من الذوق واللياقة.

وتتكرر مشاهد الفراش المملة ، والتي اصبحت مثل لازمة تتكرر مع كل حدث ، وهذة النظرات المتعطشة للجنس ، الزائغة وراء الاجساد ، والتحرش الجنسي حتى في المواقف الجدية ، ومجلس العزاء جاء في الفيلم مجلس لاستعراض الاجساد ، والعيون التي تلتهم هذا العري ، واللقاءات والقبلات الحارة ، وحتى حالات الشجار والاشتباك فيما بينهما ، فانها تصبح ميدانا لاستعراض الجسد ، والكشف عن ماهو مستور ، وبشكل مقرف ومقزز ، مبتذل ومفتعل ، بهدف سرقة ابتسامة ، او انتزاع ضحكة من الجمهور ، على حساب افكار يفترض ان يتم طرحها بوعي ومسؤولية ، وحتى العلاقة فيما بين"اشرف عبدالباقي"و خطيبته"مي كساب" وهما نموذجان يمثلان الغالبية العظمى من الشباب المصري الذي يسعى لكسب رزقه بجد وتعب ، من اجل الاستقرار وبناء الاسرة ، والتي جاءت في الفيلم كخط درامي مواز ، ونموذج لحياة اخرى غير تلك التي يعيشها التجار ، فان هذه العلاقة لم يكتب لها الاستمرار وسط ظروف منطقية ، انما هي الاخرى يتم تجييرها لصالح"الزعيم"دون سبب مقنع ، او مبرر درامي ، رغم ان علاقة الشابين ، كان فيها بعض اللمحات الجميلة ، والمشاهد التي تم تنفيذها بحرفية معقولة.

وكا سبق"للزعيم"ان سخر من الاسلاميين ، واليسار الوطني ، فانه يجدها هنا فرصة للسخرية من الصحفي"منتظر الزيدي"صاحب فردتي الحذاء الشهيرتين بوجه"بوش"، ولابد بالطبع ان نشير الى ان الشركة المنتجة"جود نيوز"للاخوة"اديب"قد سبق وان قدمت هذه الشركة فيلم"ليلة البيبي دول"بكل مايحمله من تجرؤ يصل الى حد الصلف والمماحكة في تصوير عذابات اليهود ، واستدرار العطف عليهم ، وفي نفس الوقت من تعظيم لشأن قتلة عملوا على ادارة سجن "ابو غريب"والتقليل من شأن مصريين كان لهم وجهة نظر اخرى في اساليب حل الصراع.

ان تجربة فيلم"بوبوس"تمثل محطة اكتشف من خلالها الجمهور بان"نجمهم"المدلل ، قد افرغ كل مالديه منذ زمن ، وان بريق النجومية ووهجها ، كانت سرابا يخدع عيون الجمهور ، ومسيرته الفنية يمكن اختصارها بكلمات محدودة ، من المؤكد انها ليست في صالحه ، ولذلك كان جوابهم قاسيا عندما ردوا عليه باسقاط الفيلم ، الذي تذيل قائمة افلام الايرادات.

اما"عادل امام"فقد اّن اوان محاسبة النفس ، والاعتراف بالحقيقة ، وانه اخذ اكثر مما يستحق ، وانه مارس دورا فنيا سلبيا تجاه قضايا شعبه وامته ، وكان اسوأ بكثير في مقابلاته وتصريحاته ، وخاصة فيما يتعلق بموقفه من حصار"غزه"، اضافة الى تصرقاته المتعالية مع زملائه ، فقد رفض تكريم احد المهرجانات المصرية له ، لان المهرجان كان يريد تكريم ناقدة سينمائية كان لها موقف واضح من افلامه.

علية ان ينظر حوله ليرى جيلا جديدا من الفنانين الكوميديين الشباب المجتهدين ، وان يقيّم نفسه بموضوعية وينظر الى موقع رجليه ليعرف اين يقف تماما ، والاهم من ذلك كله ان يرى ردة فعل الجمهور ، وان يتعامل معه بوعي واحترام لعقله وذائقته الفنية ، فالسينما هي خطاب ، والكوميديا هي الخطاب الاكثر رقيا وصعوبة ، تحتاج الى ابداع حقيقي ، لا الى استنساخ الردئ وتكراره ، والامساك بافيهات تثير القرف بدل الضحك.

ان ادوار الشباب ، واثارة الغرائز ، والتسطيح في المعاني والدلالات ، ومغازلة الجمهور ببعض العبارات التي يعتقد فيها ان الجمهور سيصفق له ، لانها تبدو معارضة وناقدة للسلطة ، فهذا امر لم يعد ينطلي على الناس ، لان موقعه وموقفه معروفان جيدا ، فما زلنا نذكر تلك الافلام التي قدمها مهاجما بها التيار الاسلامي ، والتي كانت متقدمة على مواقف الخكومات ، في قسوتها واساءتها لهم.

عليه ان يبدأ بالبحث من جديد عن ادوار من الحياة ، يوظف بها تجربته وتلائم مرحلته العمرية ، فالفتى الوسيم ليس موجودا اصلا فيه ، وغواية النساء ليست قضية تستحق كل هذا الاصرار من جانبه ، وتوزيع اقراص الفياجرا والرشوة بها ، لاتتفق مع منطق الدراما ولا الحياة ، وهذا يحتاج الى كاتب سيناريو يكون حرفيا وصاحب وجهة نظر ، و" عادل امام"هو الان احوج مايكون الى كاتب بهذه المواصفات ، الى جانب مخرج يمسك بقوة في كافة عناصر العرض السينمائي ، يجعل من"عادل امام"ممثلا يعمل تحت ادارته ، لا مخرجا لا حول له ولا قوة امامه.

" الزعيم"مصطلح له مدلولاته في الوجدان الشعبي ، ومن تطلق عليه هذه الصفة ، يحمل على كتفيه عبئا كبيرا ، ومشوؤلية اخلاقية تجاه نفسه وتجاه جماهيره ، ولكن يبدو ان صاحبنا ، غير كقؤ لمثل هذه المسوؤلية ، وانا هو اقرب الى"الهلفوت"و"المتسول"وافلها انه اقرب الى"الواد محروس بتاع الوزير ".

فيلم"بوبوس"من تاليف"يوسف معاطي"واخراج"وائل حسان"وبطولة"عادل امام"و"يسرا"و" اشرف عبدالباقي"و" مي كساب"و"عزت ابو عوف ".

ناقد سينمائي اردني

Rasmii01@yahoo.com

الدستور الأردنية في

02/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)