تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

لا أرى سينما كردية

قيس قاسم

مانو خليل:

كنا نلتقي كل يوم في مهرجان «بحر السينما العربية» في ميسينا الايطالية، لكن حواري مع المخرج مانو خليل تأجل حتى الساعات الأخيرة قبل مغادرتي المكان. زحمة الاجتماعات والعروض فرضت علينا تأجيل اللقاء مرة بعد أخرى. وفي النهاية قررت مع بقية الزملاء تخصيص الوقت الصباحي لليوم الأخير كموعد نهائي نجري فيه مقابلاتنا، خصوصاً وأن الجميع صار على معرفة بتفاصيل المهرجان وشاهد معظم أفلامه، وكان هذا الحوار:

·         ما رأيك في السينما الكردية عموماً؟

قبل كل شيء، ليس هناك سينما كردية إنما هناك بعض المحاولات من مخرجين أكراد. فكما تعلمون السينما هي لغة للتفاهم لها شروط يستوجب اكتمالها كي نقول أن هناك سينما باسم هذا البلد أو ذاك. حين نقول «السينما الروسية» نعني أن الروس أوجدوا لغة خاصة بهم، مختلفة عن الفرنسية. أما بالنسبة الينا فالشعب الكردي ما زال مقسما الى أربعة أجزاء، وفي بعض مناطقه لا توجد حتى دور سينما، ناهيك عن وجود أكاديمية سينمائية، ولهذا فالحديث عن سينما كردية خالصة صعب جدا.

·         لكنها تتطور رغم ما أشرت اليه؟

دون شك، هناك مؤشرات ايجابية. فبعد الاستقرار الذي شهدته كردستان العراق، حصل ما يشبه «الهبة». منذ العام 1991 أنتج أكثر من 25 فيلما روائيا لمخرجين إيرانيين أو من كردستان العراق، تنقص الكثير منهم الخبرة والحرفية في العمل السينمائي.

·         لكن بعضهم عمله جيد، كالإيراني غبادي. والعراقي هنر سليم، والأخير اشتغل سينما جميلة؟

بالتأكيد، وعندما أشير الى نواقص السينما، فهذا لا يعني أنني ألغيها أو أطلق صفة السوء عليها كلها. هناك، كما أشرت، أسماء مثل هنر وغبادي. هؤلاء أوجدوا لأنفسهم لغة خاصة. فهنر يمتاز بالمزحة المرة، ولأنه خريج المدرسة الإيرانية فهو ينتمي إلى حد بعيد الى تيار مخملباف وكياروستمي، حيث الأطفال هم عماد الأفلام ومشكلاتهم موجودة باستمرار في أعمالهم، إضافة الى آخرين شاركوا في مهرجانات عدة.

·         عبارتك الأخيرة تحمل مدلولا معاكسا، فماذا أفهم منها؟

لأتحدث عن نفسي حتى أزيل أي سوء فهم. فأنا عندما أحضر مهرجانا ما فهذا لا يعني أني قد فتحت نافذة في سماء السينما العالمية. المشاركة فيها تكون خطرة على الفنان الذي يظن انه لمجرد حضور بعضها صار سينمائيا كبيرا، وأن اسمه صار مكرسا بين الأسماء العالمية. أنا أكرر في هذا الخصوص دائما القول: السينمائي مثل الماسة الخام، تظل في حاجة الى صقل متواصل كي تصبح ماسة جميلة وبراقة. هكذا السينمائي يحتاج الى صقل كي تبرز موهبته. عليه أن يتعلم مهنته ويدرسها حتى ينتقل من الهواية الى الاحتراف.

·     لكن ألا تعتقد إن الخبرة المنتقلة من منطقة كردية الى أخرى تطور السينما. أعني، حين ينتج فيلم ما في كردستان العراق ويصوره مصور كردي من إيران ويقطعه تركي، فإن الخبرة تنتقل الى الجميع؟

السينما عمل جماعي مثل كونسرتو كل يؤدي فيه دوره ويكمل الواحد الآخر ليخرج في النهاية عمل موحد. لكن في السينما، حسب وجهة نظري، حتى لو استعان مخرج كردي عراقي بمصور إيراني أو «مونتير» تركي كما أشرت أنت، فإن هذا لا يؤسس سينما. نحن نتحدث عن فن مضى عليه مئة عام. ينبغي للسينما الكردية أن تؤسس بشكل صحيح كي تنتج أفلاما تنبع من طبيعة المجتمع نفسه. وهنا أتحدث عن سينما جادة تسجل موقفا وتنتقد الظواهر التي أمامها. وللأسف لم أر شخصيا سينما كردية نقدية حتى اللحظة، فمديح بعضنا هو الغالب، وهذا لا ينفع كثيرا.

·         هل تغمز من قناة المؤسسات الرسمية الداعمة للفيلم؟

بلا شك، فعلى المعنيين في المؤسسات الثقافية التخلص من المحسوبية والمجاملات. أعرف أشخاصا حصلوا على مساعدات رغم ضعف علاقتهم بالسينما. بعض هؤلاء حصل على دعم وصور، لكن نتيجة عمله يخجل المرء من تسميتها أفلاما. وبعض هذه «الأفلام» لم يستطع أصحابها معالجة نواقصها، فذهبت أموالها سدى. في حين يتحسر بعض المخرجين في مناطق أخرى من كردستان على كاميرا فيديو صغيرة. صور البعض، في العراق، بكاميرا 35 ملليمتراً، صوروا أفلاما لا تصلح للعرض بأي شكل من الأشكال.

·         لكنك أتيت الى كردستان العراق وصورت هناك، فهل حصلت على دعم؟

صورت حتى الآن ثلاثة أفلام في كردستان العراق وكلها مدعومة إنتاجيا من تلفزيونات ودول أوروبية، خصوصاً من سويسرا، كوني أعيش فيها، ومن التلفزيون الألماني الذي اعد له حاليا فيلما جديدا. لا لم أحصل على دعم من كردستان، رغم أني قدمت مشروعا لحكومة كردستان ووعدوني خيرا. لكن حتى اللحظة لم أحصل على شيء ملموس، فما زال الأمر مقتصرا على الأخبار الإعلامية.

مع ما أشرت اليه، هناك في العراق إجماع على وجود نهضة سينمائية في منطقة كردستان دون سواها من مناطق العراق. كيف يمكن خلق توازن بين كردستان وبقية المناطق؟

الأكراد كانوا أوفر حظا من القسم العربي، حين تحرروا مبكرا من نير وظلم صدام. في كردستان العراق تصور سنويا ثلاثة الى أربعة أفلام روائية طويلة، في حين لم تنتج بقية مناطق العراق سوى فيلمين أو ثلاثة. التنسيق يقع على عاتق الحكومة العراقية وحكومة كردستان. عليهما العمل معاً لإنشاء مؤسسة تهتم بالفيلم العراقي وتوزع المساعدات على الجهتين كي تتمكنا معاً من انجاز سينما عراقية.

بالنسبة الى شغلك. ما زالت حرارة الموضوع الكردي طاغية في أعمالك، وما زالت معاناة الشعب الكردي هي محورها، ألا تعتقد انه آن الأوان للسينما الكردية لأن تخرج من هذا الهم الى هم انساني أبعد، يمس الحياة بكل تفاصيلها؟

يتمنى الكثيرون ذلك. ذات مرة قلت حين أتحرر داخليا، سأنجز فيلما عاطفيا وصريحا. الآن أصور في تشيكوسلوفاكيا عملا لا يمس المشكلة الكردية مباشرة، فهو يتحدث عن المهاجرين في سويسرا. لكن لا بد لي من توضيح أسباب حضور الموضوع الكردي في أفلامي. أنا كردي وبسبب من كرديتي اضطررت لترك وطني وعائلتي وأصدقائي، ولذلك أصر على محاربة هذا الظلم والجور اللذين لحقا بي كانسان وبشعبي، من خلال السينما. ولذلك، ومن هذا المنطلق، تراني أذهب الى المسألة الكردية. الشيء الآخر: أنا من نسيج هذا الشعب أفهم معاناته وموسيقاه، لغته وعالمه. فكما من حق العربي عمل فيلم عن العرب، للكردي، أيضا، الحق في عمل فيلم عن شعبه.

هذا جانب حقوقي بحت، فلكل شعب الحق في صناعة ما يريد، نحن نتحدث عن أبعاد أخرى!

نعم، ولهذا أفكر في عمل سينمائي ذي بعد انساني وعاطفي كما قلت، كأن يكون للأطفال مثلا، وكما تعلم فقد اشتغلت قبل سنتين شريطا سميته «دافيد» عن ابن رئيس المحكمة الفدرالية السويسرية الذي ترك وطنه وذهب الى جبال كردستان، والتحق هناك كثوري جديد. ومع أن قصته لها علاقة بالأكراد لكنها في النهاية تظل قصة إنسان سويسري.

نعود الى نقد التجربة فنيا. فـ«زنزانتي بيتي» دعوة الى النظر في حال أناس بسطاء لم تتوافر لهم فرص الحصول على سكن لائق، فقبلوا العيش في زنزاناتهم اياها التي كان النظام السابق يسجنهم فيها، أي رسالة أردت ايصالها في هذا الشريط القصير؟

لغة السينما مؤثرة وخطيرة، والفن سلاح فعال، ومع أن مجتمعاتنا لا تتمتع بديمقراطية كافية إلا أن السينما يمكن أن تؤثر رغم ذلك. وتجربتي تشير الى ذلك، فقد حرمت من العودة الى بلادي لأني أنتجت فيلما في العام 1992 عن مجموعة من الناس يعيشون بين حدود سوريا وتركيا وتحت ظلم العسكر. هذا الشريط حرمني من لقاء أهلي 17 عاما. أما «زنزانتي بيتي» فيمكن وصفه بدعوة لإنصاف أكراد ضحوا بالغالي والثمين وفقدوا حياتهم وبيوتهم وقراهم من أجل حريتهم. وبعدما جاءت الحرية ظلوا يعيشون في الزنزانات الرهيبة نفسها. هي دعوة لمساعدة هؤلاء. والحقيقة ان الشريط جاء بشكل عرضي. لم أخطط للذهاب الى القلعة، حيث يعيش هؤلاء، لكن تفاصيل عملي في فيلم «الأنفال» قادتني اليهم ورأيت من الضروري تسجيل حالتهم.

·         وماذا عن «الأنفال»؟

أثناء دراستي السينما في تشيكوسلوفاكيا كان الموضوع الكردي، وما تعرض له الناس من تهجير وحشي الى مناطق بعيدة عن موطنهم الأصلي، يشغل بالي، خصوصا وأن أخبار المجازر والمقابر الجماعية كانت تصلنا باستمرار. وحين توفرت لي الفرصة باشرت من دون تردد انتاج فيلم وثائقي عن الأنفال. لقد ذهبت الى كردستان العراق في العام 2004، وخلال سنتين من العمل المتواصل، أجريت خلالهما الآلاف من اللقاءات وجمعت الكثير من الوثائق، وفرت لي كلها مادة مكنتني من انجاز فيلمي. لقد اعتمدت فيه على ما هو موثق ومدعوم بالشواهد. أردته شهادة حية وليس فيلما دعائيا. وعلى سبيل المثال وثقت فيه تجربة رجلين نجوا من الموت بأعجوبة. كانا من بين ثلاثين كرديا نفذ بهم حكم الإعدام، لكنهما ظلا على قيد الحياة بعدما ظن جلادوهما أنهما ماتا كالآخرين، خصوصا وأن رصاصات عدة اخترقت جسديهما. هذان الرجلان أدليا بشهادتيهما في شريطي، كما أدليا بها في ما بعد خلال محاكمة صدام، بصفتهما شهودا على الجريمة. لقد أنجزت فيلما عن المأساة بكل تفاصيلها، عن الموت والهجرة والسلاح الكيميائي، كي يفهم الناس ماذا تعني هذه الكلمة الرهيبة: الأنفال. وكي يفهم، على وجه الخصوص، المشاهد العربي والغربي ماذا جرى حقا لهذا الشعب.

الأسبوعية العراقية في

20/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)