تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

السينما الايطالية يوم كانت تيارا منفردا

فلاح كامل العزاوي

بعد انفضاض الحرب العالمية الثانية تميزت على مستوى العالم سينما واقعية نقدية جادة وجديدة هي (السينما الايطالية) فهي سينما جديدة ومثيرة وجريئة وتركت تأثيرا واسعا في كل مكان،حتى تحول مخرجوها الى نجوم اكثر شهرة من الممثلين وكانت بديلا لافلام الميلودراما والكوميديا المرتجلة والمغامرات العاطفية (افلام التلفون الابيض) وافلام الويسترن سباغيتي على الطريقة الايطالية (افلام الكاوبوي) قبل ان تتحول هذه الموجة الى جيل اخر في خطوات متواصلة مع الجمهور.

وتحتوي السينما في ايطاليا ما بعد الحرب على عمق انساني لا مثيل له في العديد من الافلام الاخرى.. ففيلم المخرج روسيلني (روما مدينة مفتوحة) تجري احداثه في مدينة روما وفي لحظة تاريخية محددة هي الايام الاخيرة للحرب !! بينما عالجت افلام عديدة مسائل خاصة بالحرب فالمقاومة والتحرير( افلام حربية صرف) غير ان المغزى العميق وراء هذا الجانب الظاهري كان الرغبة في التقاط الانسان كما يبدو والتقاط العالم كما يبدو ولا يعني هذا ترك الكون كما هو عليه من دون تغيير فالافلام لا تقول فقط (هذه هي الاشياء) بل يجب ان يفعّلها المخرج ويجعل فيلمه ينطق ويقول (لنفعل شيئا ما لتغيير الاشياء).

ومع تضاؤل رؤية الحرب باعتبارها نصرا مؤزرا وتحولها الى كابوس فاجع بدأت طبيعة الافلام في الابتعاد تدريجيا عما كانت عليه خلال السنوات الست ففي عام 1941 قام كل من( ريناتو كاستيلاني وفيتوريودي سيكا وماريو ماتولي وروبرتو روسلليني) بصنع افلام لاحت فيها امكانية صدق جديد وباقتراب العام 1942 اصبح واضحا ان التغييرات يمكن حدوثها..

وفي تلك السنة انجز المخرج (بيلا زيتي) فيلم (اربع خطوات في الغيوم) وانهى المخرج فرانشيسكو دي روبريتس فيلم (رجال في الاعماق) وفرغ نيسكونتي من فيلمه الاول(وسواس) واثبتت هذه الافلام انها قادرة على مقاومة موضوع الحياة اليومية بحساسية فائقة. ليست الواقعية في السينما سوى مجموعة من الاعراف المتبادلة ما بدا حقيقيا لرواد سينما 1946 سيبدو من دون شك زائفا بعض الشيء بالنسبة لنا ولعل ما نعتبره اليوم حقيقة مطلقة سيبدو اشبه بالخيال عند احفادنا، السينما بهذا المعنى وحش يواصل ابتلاع نفسه.

وليس في هذا ما يقلل من اهمية سينما ايطاليا ما بعد الحرب لكن ينبغي وضعها في منظورها التاريخي.. لقد اثرت في جيل برمته من رواد السينما وصانعيها لاشك في ذلك غير ان المنظور التاريخي لابد منه والا فشلنا في فهم مضمون التأثير الذي شمل العديد من الناس، فمن الصحيح ان الجوانب العديدة من سينما ما قبل الحرب يمكن رؤيتها وكأنها تعبد الطريق لسينما ما بعد الحرب.

في بادئ الامر كانت هناك الكتابات النظرية المتعددة التي ناصرت العودة الى معالجات ومواضيع اكثر واقعية ولعبت الكتابات الايطالية دورا خاصا في هذا المجال، ان الضرورة الدرامية تستخدم تقليديا لربط الاجزاء المختلفة لمسرحية ما او فيلم ما كل مشهد يفرض ضرورة المشهد التالي وفي حالات اخرى قد يفرض حظ الحوار الخط التالي له، غير ان الضرورة الدرامية سواء في المسرح او في السينما كانت تقليدا وهي تقليد رأى الواقعيون الجدد انه شاق لاسباب عديدة لعل اهمها يكمن في ان هؤلاء المخرجين الايطاليين فقد الايمان بالعالم عالم النظام والضرورة حيث يكون لحياة الناس معنى وهدف والحال انهم عايشوا وجربوا واحدة من اسوأ الحروب في تاريخ البشرية..

فكان تقديم العالم بصورته النظيفة (وقاحة) او انه بالنسبة لهم اخر ما يمكن وصفه بالنظافة والنظام.

 ان اهمية الافلام الايطالية في تلك الفترة كانت تعزى الى طريقتها في ايضاح المعنى  واذا كان صحيحا ان الواقعية الاجتماعية مهمة دون شك.. فان هذه الواقعية الاجتماعية تمارس تأثيرها على المشاهد بسبب استخدامها مجموعة دلالات محددة كالممثلين غير المحترفين والبنية التحتية الحديثة والغموض المتعمد في تحليل الشخصية والتصوير الخارجي بعيدا عن الاستوديو وغالبا في الاماكن ذاتها التي شهدت الاحداث.

ومهما كانت الاسباب فان من الجلي ان تلك الافلام بدأت تتغير تدريجيا مع مطالع الخمسينيات وفيلم (فيلليني) (الشيخ الابيض) مثلا بسبب سخريته وفيلم المخرج انطونيوني  (قصة حب) بسبب معالجته لمشكلات الطبقة الوسطى كانا مؤشرين لهذه النقلة في سينما ايطاليا ما بعد الحرب.

لقد باتت الواقعية الايطالية الجديدة وافدا جديدا وصفحة جديدة من تاريخ السينما العالمية لكن هذا الكلام يظل نسبيا وليس مطلقا.. فالواقعية الجديدة موقفا واتجاهات في استخدام الادوات التعبيرية لا تزال قائمة.

والشيء الذي ميز الواقعية الجديدة كان الاقرار بان الحياة في محصلتها  لا تشكلها فكاهة القاعات الفخمة ولا الازمات العاطفية المسفوحة على الهواتف البيضاء لقد تميزت الافلام الاولى للواقعية الجديدة باعترافها بجوانب الغموض الاساسية في البشر والحياة بجنون المصير الانساني بانعدام الامان وبالتقلب والفزع والرعب. وارتبط مفهوم الواقعية الجديدة في ايطاليا بسينما ما بعد الحرب واستطاعت افلامها ان تمحو من اذهان العالم الصورة البشعة لايطاليا الفاشية.. وسلطت الاضواء على ابن الشارع الايطالي الفقير الذي سلبته الفاشية حريتـــــه وكرامتـــه وتركته اهوال الحرب في حالة من العوز والفقر والدمار.

لقد كانت هذه الســـينما  وليــــدة  روح المقاومة ضد الفاشية واهوال الحرب والحاجة الماسة للحرية.

كانت الواقعية الجديدة الايطالية اكتشافا لطريق جديد في صناعة السينما وقد وضع اسسها ونظريتها بشكل جذري ولمدة طويلة واكثر من اي شخص اخر كاتب السيناريو الكبير زافياتنين الذي وضع مع دي سيكا واحدة من اهم نظريات الوقاعية الجديدة وهي (شاعرية الرصـــــد والتتبع) والقائلة: برصــــــــــد وتتبــــــــــع الشـــــخصية في كل خطوط سيرها وافعالها من دون   اعـطاء حلول مستمرة.

وهذه النظرية كانت تســــــــلط الضوء على الواقع الاجتماعي للحياة الايطالية وعلى حياة الشريحة الكبرى من الشعب التي تصارع من اجل حياة افضل ومن اجل الحرية والاستقلال.

لقد اصبحت سينما الواقعية الجديدة مدرسة لجيل من السينمائيين والكتاب والفنانين والتشكيليين ليس في ايطاليا وحدها فقط وانما في العالم اجمع.

الإتحاد العراقية في

13/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)