لسنا ندري ما إذا كنا سنشاهد، من نتاجات السينما المصرية خلال الموسم
المقبل،
فيلماً موعوداً مقتبساً عن رواية «شيكاغو» للكاتب علاء الأسواني، لكننا
نعرف
بالتأكيد أن واحداً من أبرز نتاجات السينما الآتية من القاهرة خلال السنوات
الماضية، كان ذاك الذي اقتبسه وحيد حامد عن رواية الأسواني الأخرى «عمارة
يعقوبيان». والحقيقة أن كون أفضل ما حقق في مصر مأخوذاً عن رواية أدبية،
أمر لا
ينبغي أن يكون خبراً استثنائياً، حتى وإن باتت السينما المصرية مقلّة في
اعتمادها
الأدب مصدراً لها، وذلك لحساب ازدياد سينما المغامرات والتهريج وما الى ذلك
من
أنواع لا تحتاج الى خلفية أدبية.
في المقابل، نعرف أيضاً أن بعض أقوى ما سيعرض من أفلام عالمية، أميركية
بخاصة،
خلال الموسم الجديد الذي سيبدأ خلال أسابيع قليلة، مأخوذ عن أعمال أدبية.
فإذا كان
فرانسيس فورد كوبولا، قد وضع وراءه مشروعه الأثير والكبير لأفلمة رواية جاك
كيرواك «على
الطريق»، فإن تيم بورتون في المقابل، ومارتن سكورسيزي أيضاً، يقدمان لنا
هذا
الموسم فيلمين مأخوذين عن روايتين، احداهما («أليس في بلاد العجائب» للويس
كارول)
تعتبر من الكلاسيكيات الخالدة، والثانية («شاتر آيلند» لدنيس لاهان)، تنتمي
الى
أجدّ نتاجات الأدب البوليسي الأميركي. والحقيقة ان الاثنين، بهذين العملين،
لا
يفعلان ما هو استثنائي، بل يسيران على هدى تقاليد قديمة جداً، لها عمر الفن
السابع
نفسه، جعلت من الرواية والقصة - والنصوص المسرحية - واحداً من أسس تكوينها.
ولئن لم
تكن ثمة احصاءات وافية في هذا السياق، يمكن من يحب التقدير، أن يفترض أن ما
يزيد عن
نصف الأفلام التي حققت في العالم كله طوال ما يزيد عن قرن، الآن، مأخوذ من
تلك
النصوص. وفي كلمات أخرى، يبدو الفن السينمائي وكأنه مجرد ترجمة لتاريخ
الأدب
المكتوب. ولعل أوفى دليل على هذا هو ان القسم الأكبر من النصوص التي أبدعها
الإنسان، روائياً وربما أيضاً مسرحياً، في تاريخه ومنذ فجر البشرية، صار
أفلاماً،
ومرات ومرات بالنسبة الى بعضه. ومع هذا يمكن أن نقول من دون كبير مجازفة
هنا، إن،
من بين المئة أو المئتي فيلم، الأفضل في تاريخ السينما، وبحسب النقاد
والمعنيين في
كل مكان وزمان، نادرة هي الأفلام المأخوذة عن أصول روائية أو غيرها. ولعل
في هذه
الحقيقة تكمن المفارقة الأولى في هذا السياق. بل يمكننا هنا أن نزيد، أنه
إذا
استثنينا حفنة ضئيلة من مبدعين سينمائيين عرفوا كيف يجعلون أفلامهم الأفضل
اقتباساً
من الأدب، فمن الصعب القول أن الأفلام التي تحتل المكانة الأولى في تراتبية
أحكام
القيمة، بالنسبة الى الانتاج العام لكل مخرج من كبار المخرجين، هي تلك التي
اقتبسها
عن الأدب. صحيح، مثلاً، أن جون هستون اقتبس هرمان ملفيل («موبي ديك») وجويس («الميت»)
ومالكولم لاوري («تحت البركان») وغيرهم، بيد أن أفضل أفلامه (ومنها «المدينة
الضخمة» و «شرف آل بريزي» وغيرهما) تبقى تلك التي كتبت أصلاً للسينما، بما
فيها «المنحرفون» الذي كتبه آرثر ميلر للسينما لتلعبه زوجته آنذاك مارلين
مونرو.
وصحيح أن مبدعاً مثل آكيرا كوروساوا، اقتبس أعمالاً كبيرة كثيرة له من
أعمال أدبية (بما
في ذلك «راشومون» و «ران» و «قصر العنكبوت»...)، لكن أفلامه الكبرى (مثل «الساموراي
السبعة» و«أن تعيش» و «أحلام»...) تبقى تلك التي وجدت على شكل سيناريو
سينمائي.
الغاضبون والمتسامحون
والحقيقة ان هستون وكوروساوا، ليسا سوى نموذجين لمبدعين كان الاقتباس من
الأدب
ظاهرة أساسية في مسار عملهم... مثلهم في هذا مثل ستانلي كوبريك وأورسون
ويلز، وحتى
تيم بورتون في زمن أقرب الينا. فما الذي يمكن استنتاجه من هذا الكلام؟
ببساطة: ان الأدب غذّى الفن السينمائي الى درجة ندر معها أن تجد اليوم
عملاً
أدبياً لم يؤفلم، من دون أن يعني هذا ان الأفلمة كانت دائماً موفقة، فالحال
ان كل
أفلمة لنص أدبي، تعتبر في شكل أو في آخر خيانة لهذا النص... إذ نعرف أن
الترجمة -
مهما كانت دقيقة - من لغة الى لغة أخرى، تعتبر خيانة، فكيف إذا كانت من فن
الى فن
آخر يختلف عنه لغة ومضموناً وأساليب وجمهوراً أيضاًَ. ويقودنا هذا طبعاً
الى ذلك
الموقف الذي اعتاد القسم الأعظم من الكتاب أن يقفوه ما إن ينجز عمل سينمائي
مقتبس
عن نصوصهم... فهو في معظم الأحيان موقف سلبي يراوح بين أقصى حالات الغضب
(والنموذج
الأشهر على هذا الكاتب الجماهيري الأميركي ستيفن كينغ الذي اعتبر ان المخرج
المبدع
ستانلي كوبريك قد أساء الى روايته «إشراق» حين أفلمها)، وأسمى درجات
التسامح (والنموذج
هنا نستقيه كذلك من عمل لستانلي كوبريك هو «برتقال آلي»، حيث إن كاتب
النص أنطوني بارغس، قال بعد مشاهدته الفيلم إنه لا يشعر بقربه من نصّه،
لكنه يجد
نفسه أمام عمل رائع لكوبريك بصرف النظر عن الأصل). والأمثلة في هذا الصدد
كثيرة. بل
ربما يكون عددها، عدد الأفلام المقتبسة نفسها، إذا وضعنا الكتّاب الراحلين
جانباً،
وضربنا صفحاً عن غضب دارسيهم أو وارثيهم أو رضاهم...
غير أن المسألة، في نهاية الأمر، لا علاقة لها بالنيات، حسنة كانت أم سيئة.
فالأمر، كما ذكرنا أعلاه، هو أن المبدعين الكبار حين يتناولون عملاً له
وجود سابق
على فنهم - على شكل رواية أو مسرحية أو قصة قصيرة... أو غير ذلك - لا
يتناولونه
لترجمته حرفياً، أو لمجرد تقديمه سينمائياً، بل كذريعة لعمل جديد، قد يكون
مختلفاً
كلياً: انه نوع من الاستحواذ على النص/ الذريعة، يشبه استحواذ السينمائي
على سيرة
ذاتية، أو قضية اجتماعية، أو فصل من التاريخ، أو مواقف كوميدية أو أي شيء
من هذا
القبيل. فأن يأخذ لورانس أوليفييه، مثلاً، أو كينيث برانا، مسرحية «هاملت»
لتحويلها
فيلماً سينمائياً مسقطاً في أحداثه أو جوهره على العصر الراهن، انطلاقاً من
ألوف
التفسيرات التي وجدت خلال الزمن الفاصل بين ولادة المسرحية وولادة الفيلم،
هو أشبه،
تماماً، بما فعله شكسبير نفسه حين استحوذ على الحكاية الأصلية والقديمة
لأمير
الدنمارك - سواء كان اسمه هاملت أو غير ذلك -، محولاً إياها الى مسرحية
تقول زمنه (أي
زمن شكسبير) وأفكاره وسيكولوجيته الخاصة. وذلك ببساطة لأن كل عمل فني
ابداعي
كبير، انما هو اعادة قراءة له على ضوء الزمن الراهن، ما يعني تحديثه
وتبديله
وأفلمته، فيصبح عملاً معاصراً، ينتمي الى لغة الفنان المعاصر نفسه. وفي هذا
المعنى
تكون السينما الكبيرة قد فعلت فقط ما فيه عصرنة العمل القديم، أو حتى
الجديد...
إعادة تفسير له، إعادة توظيف له. وطبعاً مبدعون من طينة انطوني بارغس (صاحب
نص «برتقال
آلي») يمكنهم أن يفهموا هذا... لكنه عسير على الوصول الى كاتب من طراز
ستيفن كينغ (صاحب «إشراق»). ولعلنا، في هذين النموذجين قدمنا مدخلاً يصلح
لفهم ذلك
التناحر الدائم بين النص والفيلم.
الأدب الكبير والأدب الصغير
انطلاقاً من هنا، إذاً، يمكن مواصلة الحديث للتوقف مجدداً، عند واقع قد
يكون فيه
تفسير منطقي لحقيقة أن الآداب الكبرى لا تزال حتى اليوم عصيّة على
الاقتباس، من
النص المكتوب الى الفيلم المصور... وحتى حين يجازف مبدع ما باقتباسها، لا
ينتج
أعمالاً سينمائية كبيرة، إلا حين تكون خيانة النص أكبر. ولعل المثال الأسطع
على هذا
هو أعمال مثل «ثلاثية نجيب محفوظ» و «آل بودنبروك» لتوماس مان ونصوص جويس
وبروست
وسيلين وموتسيل وكافكا الكبرى. إذ صحيح أن أعمالاً كثيرة من هذه قد أُفلمت...
ولكن
بعد أن أُفقدت جزءاً كبيراً من روحها وهندستها وأسلوب مبدعها... حيث نعرف
أن الضحية
الأولى في كل عملية اقتباس فن من فن آخر، هو هذه الأقانيم الثلاثة... ولما
كان
المبدع هو، في الدرجة الأولى، أسلوبه، نتساءل: أي أسلوب هو ذاك الذي يبقى -
أو بقي -
من نقل ثلاثية محفوظ الى الشاشة على يد حسن الإمام؟ و «الجبل السحري» كان
قيّد
لها مخرج كبير هو شلندورف كي يؤفلمها، لكن النتيجة كانت صفراً. فما الذي
حدث؟ في
الحالتين، وعلى تفاوت في الموهبة والقدرة على استيعاب العمل والفكر الذي
وراءه،
أراد الإمام أن يحقق الثلاثية فوقف عند أحداثها. أما شلندورف، فهو تغلغل
داخل نص
مان الى درجة فقد معها السيطرة على دوره كمخرج فأتى الفيلم سطحياً، ترجمة
حرفية
بالصورة، لنص حافل بالأفكار والتأملات.
مقابل هذا عرف فرانسيس فورد كوبولا، حين استبدت به الرغبة في أفلمة «في قلب
الظلمات» لكونراد، كيف يأخذ من ذلك العمل الصعب جوهره، ليرميه داخل فيلم له
عن حرب
فييتنام («يوم الحشر... الآن») وكذلك فعل كوروساوا حين أفلم «الملك لير»
لشكسبير،
أو «الحضيض» لغوركي، أو حتى «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي: أخذ جوهر العمل
ومعانيه
العميقة، مزج أسلوبه الخاص كمخرج من بيئة يابانية، بأسلوب دوستويفسكي
الانساني
السمات... أو أسلوب شكسبير أو غوركي، فكانت النتيجة أعمالاً لكوروساوا...
ولا لأحد
غير كوروساوا...
هذا بالنسبة الى الأعمال الأدبية - أو المسرحية - الكبرى، أما بالنسبة الى
الأعمال «الصغرى»، ولو كانت لكتّاب كبار، فإن
الأمور تبدو دائماً أسهل: أفلمة «روميو
وجولييت» أسهل ألف مرة من أفلمة «عطيل»...
وذلك ببساطة لأن العمل الأول برّاني، فيما الثاني جوّاني.
وكذلك الحال بالنسبة الى
محفوظ: ليس تحويل «أهل القمة» أو «الحب تحت
المطر» أو «الحب فوق هضبة الهرم» أو حتى «قلب
الليل»، سوى لعبة سهلة مقارنة بأفلمة «الثلاثية» أو «أولاد حارتنا» أو «الحرافيش...».
أفلمة الآداب الصغرى، سواء كانت لكتّاب كبار، أم كانت «صغرى» بسبب انتمائها
الى
أنواع أدبية ثانوية، كالرواية البوليسية أو رواية التجسس، أو الرواية
التاريخية أو
نصوص الرعب وما شابهها، عملية أكثر سهولة، حتى وإن كانت تبقى - دائماً -
متسمة
بخيانة ما. وهذا ما نوضحه ونستعرضه في هذه السلسلة من الوقفات عند كل نوع
وأبرز
أعماله، بدءاً من هذا الأسبوع.
الحياة اللندنية في
21/08/2009
شكسبير: «السيناريست» الأبرز في تاريخ
الفنون
لم يكن أورسون ويلز مخطئاً حين قال مرة إنه يعتبر ويليام شكسبير «أعظم كاتب
سيناريو» في التاريخ مردفاً ما معناه، أن المرء بالنسبة الى
صاحب «هاملت» و «عطيل»،
ليس في حاجة الى أي نقل تقني للنص، حتى يصبح صالحاً لأن يصوّر
سينمائياً... كل ما
يحتاجه المرء هو أن يضع الكاميرا أمام الممثلين ويصوّر. طبعاً يبدو هذا
الكلام من
قبيل المغالاة، ولا سيما في مخرج اقتبس واحداً من أقوى وأجمل أفلامه، من
أربع
مسرحيات جمعها معاً لشكسبير وهو فيلم «فالستاف»، لكننا في
الحقيقة إن دققنا في هذا
الكلام، سنجد أن ويلز لم يبتعد عن الحقيقة كثيراً. ولعل الدليل الأوفى على
هذا، هو
الميل الدائم لدى السينمائيين الى اقتباس أعمال شاعر الانكليز وكاتبهم
الأعظم.
فشكسبير لم يكتف بأن تنقل كل أعماله الى الشاشة، بل تجاوز هذا كثيراً، إذ
إن أعماله
الرئيسة، ومعظم أعماله الثانوية أيضاً، نقلت عشرات المرات لكل منها. وعشرات
المرات
هذه لا تشمل سوى الجزء البارز من «جبل الجليد» حيث أن ثمة
مقابل كل فيلم يحقق أو نص
يقتبس، أعمالاً كثيرة لا تعلن عن نفسها أو عن انتسابها الى أعمال شكسبير،
بحيث يبدو
من المستحيل وضع لائحة نهائية بما تدين به السينما - كل السينما - لشكسبير،
في كل
مكان وزمان.
وإذا كانت المراجع الأكثر موثوقية تتحدث عن نحو 500 اقتباس رسمي ومعلن
لأعمال
شكسبيرية على الشاشة الكبيرة، فإن في امكاننا أن نفترض أن
العدد الحقيقي قد يصل الى
ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف عمل، معلن أو غير معلن، بحيث يندر أن يوجد
بلد لم
ينتج السينمائيون من أبنائه أفلاماً تمتّ بصلة ما الى شكسبير. ولئن كان -
بالتالي
-
من المستحيل، وضع لائحة عالمية نهائية بالسينما الشكسبيرية، يمكن
الاتكال على
اللوائح الأكثر رسمية، أي التي تتحدث عن اقتباسات شكسبيرية صريحة ومعلنة في
السينما، وبدءاً من الأعوام الأولى لولادة السينما، حيث تفيدنا المصادر
المتنوعة أن
أول دنو سينمائي من شكسبير كان في عام 1898، حين صورت الكاميرات البدائية،
والتي
كان نتاجها لا يزال - طبعاً - صامتاً، أربعة مشاهد من مسرحية
«الملك جان» كنوع من
الدعاية للمسرحية التي كانت تقدم على «مسرح صاحبة الجلالة» بدءاً من أيلول
(سبتمبر)
من ذلك العام. وبعد ذلك كرت السبحة، من دون
توقف بدءاً مع سارة برنارد التي تنكرت
في زي «هاملت» في شريط حقق عام 1900، ثم غريفيث الذي حقق
«ترويض النمرة» صامتاً عام
1908، بعد سلسلة أعمال ايطالية وانكليزية في هذا
المجال، وصولاً الى أيامنا هذه حيث
بالكاد يمضي موسم من دون أعمال شكسبيرية، صريحة أو خفية. أما
أفضل الاقتباسات
الشكسبيرية حتى اليوم، فقد وضعت فيها لوائح عدة يكاد يستشف منها نوع من
الاجماع على
أنها تلك التي حملت تواقيع أساطين الفن السينمائي من بيتر بروك («مأساة
هاملت»
- 2001 -
و «الملك لير» - 1969 -) الى أورسون ويلز (الذي على رغم كل الضجيج
الشكسبيري
الذي يحيط به، لم يحقق سوى اقتباسين من شكسبير، اضافة الى توليفة «فالستاف»،
(وهما
الفيلم المغربي «عطيل» و الرائعة «الاسبانية» «ماكبث»)، مروراً بلورانس
اوليفييه (3
أفلام) وأكيرا كوروساوا («ران» - 1985 - و «قصر العنكبوت»
1965، عن «لير» و «ماكبث»
على التوالي)، وبخاصة أحدثهم الانكليزي الشكسبيري العريق كينيث برانا (ما
لا يقل عن
أربعة أعمال شكسبيرية مميزة) وبيتر غريناواي («كتاب بروسبيرو» عن «العاصفة»
- 1991
-)
ورومان بولانسكي وجوزيف مانكفتش، والايطالي فرانكو زيفريللي (الذي
تبقى دائماً
اقتباساته الشكسبيرية الأكثر شعبية ولا سيما منها «روميو وجولييت» و «ترويض
النمرة»)...
بعد هذا، يبقى سؤال: أي من مسرحيات شكسبير حظيت دائماً بالاهتمام الأكبر من
السينمائيين من ناحية الاقبال على أفلمتها؟ الجواب بديهي:
«روميو وجوليت» التي
اقتبست، على الأقل ومنذ جورج ميلياس (1902) الى الاسترالي باز ليرمان (في
«روميو+جوليت»
- 1996)، ما لا يقل عن 150 مرة، عدا مئات المرات غير المعلنة. تليها «هاملت» في نحو 120 اقتباساً مباشراً
ومعلناً، في أكثر من ثلاثين بلداً. وتأتي بعد
هذا «اوتيلو» (المعروفة عربياً بـ «عطيل») في أكثر من 40
اقتباساً، ثم ماكبث في 40
اقتباساً أيضاً، فـ «انطوان وكليوباترا» و «الملك لير» و «يوليوس قيصر» و
«تاجر
البندقية» في ما ما يتراوح بين 10 و 15 اقتباساً لكل منهما، بعد «ترويض
النمرة»
التي اقتبست، وغالباً معصرنة، أكثر من 20 مرة.
أما مسرحيات شكسبير حول فصول التاريخ البريطاني، فإنها، إذا كانت قد اقتبست
مرات
عدة لكل منها في انكلترا، لا يمكن توقع أن تكون قد حازت على
عولمة حقيقية وهذا
بديهي... على عكس حال الكوميديات التي، إذ اقتبست انكليزياً وعالمياً، كان
من حظها
في معظم الاحيان أن تؤخذ بعيداً من سياقها التاريخي الانكليزي لتحمّل
أفكاراً
وأزياءً غريبة عليها.
وإذا كان ثمة شيء يمكن أن نقوله في النهاية، فهو أن شكسبير، الراحل قروناً
قبل
اختراع الفن السابع، يبدو من خلال هذا السرد كله، وكأن فن
السينما قد اخترع من
أجله... وليس فقط بفضل ما وصفه أورسون ويلز به، ولا بفضل مئات الاقتباسات
من
أعماله، بل لأننا اذا بحثنا عن اسمه أو الصفة المرتبطة بهذا الاسم: شكسبير
والشكسبيرية، لن نعدم أن نراهما ينطبقان، جوهرياً على القسم
الأعظم من الأفلام
الجادة في تاريخ الفن السابع، سواء أحملت أفكار شكسبير وموضوعاته أم لم
تحملها.
الحياة اللندنية في
21/08/2009
جميع الكلاسيكيين في قبضة الفن
السابع
إذا أردنا أن نضع لائحة وافية بأسماء كتّاب الرواية والقصة من شتى أنحاء
العالم،
الذين حوّل الفن السابع أعمالهم البارزة - أو الأقل بروزاً -
الى أفلام سينمائية،
ستشمل اللائحة الغالبية العظمى من الكتّاب، منذ فجر الرواية والأدب وحتى
اليوم.
فالحال أنه يندر أن توجد اليوم رواية أو
قصة لم تحوّل الى عمل سينمائي، باستثناء
أعمال كبيرة قليلة العدد - يمكن القول إن كثراً من السينمائيين
داعبوا في أحلامهم
فكرة أفلمتها فبدت عصية على ذلك. وإذ نقول هذا نفكر طبعاً بشوامخ مثل «يوليسيز»
لجيمس جويس، و «سفر الى آخر الليل» لسيلين
و «الرجل الذي لا سمات له» لموتسيل، وحتى
«البحث
عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست، و «دكتور فاوستوس» لتوماس مان... الخ، هذا
كيلا نتحدث إلا عن القرن العشرين. ومهما يكن من أمر، بالنسبة الى آلاف
الاقتباسات
من الأدب، هل يمكن وضع لائحة نهائية بالكتّاب الذين اقتبست
السينما أعمالهم أكثر من
غيرهم؟ الجواب القاطع مستحيل... وربما لأن أعمالاً كثيرة - بل كثيرة جداً -
لأعظم
الروائيين اقتبست، أو تم استلهامها كثيراً أو قليلاً، في بلدان صغيرة تكاد
سينماتها
تكون مجهولة عالمياً، وربما محلياً أيضاً. وحسبنا هنا أن نذكّر
بكم ان السينما
المصرية - مثلاً - اقتبست من شكسبير وحده، انما من دون إعلان ذلك... حتى
تتبدى
أمامنا صعوبة الحسم.
ومع هذا، يمكن في شكل إجمالي، وضع لائحة تقريبية، تقول ان ويليام شكسبير هو
الأكثر اقتباساً، مع مجازفتنا هنا بأن نكون قد خرجنا من اطار
النصوص الروائية
والقصصية الى النصوص المسرحية (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة)... ومن بعد
شكسبير
قد يأتي الكتاب المقدس، ثم فكتور هوغو وإميل زولا وإرنست همنغواي وخصوصاً
ألكسندر
دوماس ودوستويفسكي، اضافة الى عشرات غيرهم من كتّاب
«كلاسيكيين» اقتبسوا، ليس فقط
في بلدانهم وباللغات التي كتبوا بها، بل في بلدان عدة من العالم وبلغات
أكثر عدداً.
وهكذا، على سبيل المثال، نجد أعمال
دوستويفسكي مقتبسة في مصر كما في اليابان، في
بولندا والاتحاد السوفياتي كما في الولايات المتحدة، وكذلك
الحال بالنسبة، مثلاً،
الى الكسندر دوماس، الذي نجد أعماله الأساسية، من «الكونت دي مونت كريستو»
الى «الفرسان الثلاثة» تكوّن جوهر عشرات الأفلام
المنتجة في القارات الخمس. وكذلك هي
حال تولستوي وغوركي. أما ابن دوماس، الكسندر الابن، فإننا، على
رغم ضآلة عدد أعماله
المقتبسة الى السينما، لا بد من أن نلاحظ كيف ان مأثرته «غادة الكاميليا»
حققت في
أفلام تكاد تغطي جغرافياً عشرات البلدان، وزمنياً، حقباً كثيرة، بحيث يمكن
القول ان
ثمة «غادة كاميليا» في سينما كل بلد تقريباً، وكذلك هي حال «كارمن» بروسبير
ميريميه، كنص أدبي، أو كأوبرا، إذ ان السينما استعانت
بالحالتين معاً، وصولاً الى
«كارمن
جونز» في عالم السود الأميركيين، و «كارمن» أخرى، في عالم جنوب أفريقيا.
بالنسبة الى أعمال كهذه وكتّاب كهؤلاء، تنطبق صفة العولمة منذ وقت مبكر،
حيث ان
ما كانت ترجمة الأعمال في الماضي قد قامت به، من تعريف الشعوب
الى آداب مبدعي
الشعوب الأخرى، أضافت اليه السينما في القرن العشرين زخماً قوياً، تجاوز
مسألة
الترجمة اللغوية، الى الاقتباس والاستحواذ على المواضيع لإضفاء طابع محلي
عليها.
وهنا، من دون أن يكون في الأمر حكم قيمة، نجدنا مندفعين، الى ذكر السينما
المصرية،
مرة أخرى، واقتباسها، على سبيل المثال، شكسبير (كما في «الملك لير» التي
صارت
«الملاعين»
و «ترويض النمرة» التي صارت «المتوحشة» من بطولة سعاد حسني...)، أو
دوستويفسكي (في «صونيا والمجنون» لحسام الدين مصطفى، بين أعمال عدة أخرى).
هنا، إذاً، في هذا الإطار، وبعد أن نذكر أصحاب الأسماء الواردة أعلاه،
نواصل
اللائحة - على مستوى الاقتباسات العالمية، لا المحلية - لنذكر
انه، حتى وإن كان من
الصعب الافتراض أن «كل» أعمال اميل زولا اقتبست الى الشاشة الكبيرة، يمكننا
أن نؤكد
ان معظم هذه الأعمال قد اقتبس، وصولاً - أيضاً - الى السينما المصرية، حيث
نعرف،
مثلاً، ان «تيريز راكان» هي الأصل الذي بنى عليه صلاح أبو سيف
و «كاتبه» نجيب
محفوظ، فيلمهما المميز «لك يوم يا ظالم».
أما بالنسبة الى الكسندر دوماس الأب، فلا بد من أن نذكر أنه كان عام 1898،
واحداً من أول الكتّاب العالميين اقتباساً في السينما (مقاطع
من «الفرسان
الثلاثة»). ومن أميركا، كان ارنست همنغواي وجون شتاينبك الأكثر اقتباساً،
من بين
الكلاسيكيين. وفي المقابل، الى شكسبير، زود الأدب الانكليزي السينما
العالمية
بروايات عدة لجين أوستن وماري شيلي وروبرت لويس ستيفنسون وبرام
ستوكر. أما
الفرنسيون، فلائحة كتّابهم المقتبسين تضم: «موليير» ومدام دي لافاييت
وبلزاك
وفلوبير وموباسان... الخ.
طبعاً، نحن قصرنا كلامنا هنا على الكلاسيكيين، الذين اتخذ اقتباس أعمالهم
طابعاً
معولماً، ومن الذين يمكن أن نضم اليهم ايطالياً من هنا
(بيرانديللو) أو نروجياً من
هناك (ابسن)، الى عدد كبير من الكتّاب الروس. أما بالنسبة الى عولمة
الرواية
العربية من طريق السينما، فإن النماذج نادرة، إذا استثنينا نجيب محفوظ، في
اقتباسين
مكسيكيين لروايتيه «بداية ونهاية» و «زقاق المدق»... مع التوقف بدهشة عند
حالة
غريبة تتعلق بفيلم عنوانه «الرجل الذي فقد ظله»، الذي حققه
السويسري آلان تانر في
اسبانيا عام 1991، ولا يمت بأية صلة الى رواية فتحي غانم بالعنوان نفسه،
والتي إن
شاهدنا الفيلم سنرى أجواءها ذاتها وربما شخصياتها، في «تواتر خواطر»
مدهش!
الحياة اللندنية في
21/08/2009 |