تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مهرجان ساراييفو: عن الحرب وجراح لم تلتئم

مواهب جديدة تبرز في ظروف إنتاجيّة صعبة

محمد رُضا

من يذكر عاصمة الجرح الأوروبي المفتوح، وأحلام التعايش المجهضة؟ ساراييفو تحتضن، حتّى العشرين من الشهر الجاري، تظاهرتها الشهيرة التي تُعقد للمرّة الخامسة عشرة. يستقبل «مهرجان الفيلم» تجارب شابّة، وأخرى مكرّسة، موزّعة على ثلاث مسابقات، مؤكّداً دوره كبوصلة للسينما في أوروبا الشرقيّة

وسط ابتهاج أوروبي وتجاهل عربي، انطلقت أخيراً الدورة الخامسة عشرة من «مهرجان الفيلم في ساراييفو» وتستمرُّ حتَّى 20 آب (أغسطس) الحالي. انطلق المهرجان في العاصمة البوسنيّة عام 1995 ـــــ بعد حصارها الطويل الذي دام أربع سنوات ـــــ وتحوّل إلى موعد رئيسي للمنتجين والكتّاب المحليين في دول يوغوسلافيا السابقة خصوصاً، ومنطقة أوروبا الشرقيّة والبلقان عموماً. هكذا، مثّل المهرجان بوصلة للتحولات التي شهدتها السينما الأوروبيّة الشرقيّة والتنوّع في إنتاجاتها واتجاهاتها الإبداعيّة منذ سقوط جدار برلين... هنا، يجد المتابع مناسبةً للقاء المواهب جديدة. إذ يجد «الفيلم الأول» مكانه هنا ومعه سينمائيّون يعملون في ظروف إنتاجيّة صعبة.

في هذا الإطار، شهد المهرجان في السنوات الماضية، عروضاً لأفلام خرجت من رحم معاناة الحرب، أشهرها «سرّ أسمى» للبوسنيّة ياسميلا زبانيتش (2007)، عن متاعب أرملة في مرحلة ما بعد الحرب، وعلاقتها بابنتها الشابّة المتمرّدة، وعملها في نادٍ ليلي يحاول كل من فيه ابتزازها. كذلك، فيلم مواطنتها عايدة بيجيتش «ثلج» الذي عرض العام الماضي، ونال قدراً كبيراً من الاهتمام النقدي. يحكي العمل قصَّة قرية كلّ سكّانها نساء ثكالى وأرامل فقدن الأب أو الأخ الكبير خلال حرب السنوات الأربع الضارية. وفي دورة 2007، جاء فيلم «آرمن» للكرواتي أونين زفيليتش، ليتناول قصّة فلّاح بوسني وابنه الشاب ينتقلان من مقاطعة هرزغوفينا البوسنية إلى مدينة زغرب الكرواتية، بعدما علم الأب أنّ فيلماً ألمانياً سيصوّر في البوسنة عن الحرب، فيأخذ ابنه ليقدّمه إلى المخرج. لكنّ الرحلة لا تنتهي بتحوّل الابن إلى نجم سينمائي، بل إلى توطيد العلاقة بينه وبين والده.

يستقبل مهرجان ساراييفو مئة ألف زائر، خلال أيامه العشرة التي تزدان بعدد من الأفلام ذات الطابع البلقاني وذلك في ثلاث مسابقات: الروائية والوثائقية والقصيرة. إذ تمنح في كل منها «جائزة قلب ساراييفو» لأفضل فيلم. يتبارى في المسابقة الرسميّة عشرة أفلام روائيّة أمام لجنة تحكيم ترأسها الممثلة الصربيّة مارينا كارنوفيك. الفيلم الصربي الجديد «خريف في شارعي»، وهو عمل اجتماعي درامي عن شباب يجد نفسه في زمن مهدور. الفيلم من إخراج ميلوش بوجيك الذي صوّره، كما حال العديد من الأفلام المنتجة محليّاً، بواسطة كاميرا ديجيتال. أيضاً، نجد الفيلم اليوناني «ضرس كلب» ليورغوس لانتيموس عن عائلة غريبة الأطوار، يمنع فيها الأب ابنيه وابنته من الخروج من البيت، موفّراً تعليمهم داخل جدرانه، بما في ذلك التربية الجنسية. إذ يحضر لولده البكر موظَّفة تعمل حارسة في مؤسسته. في «حمار» وهو إنتاج كرواتي بوسني وصربي مشترك، يتتبّع المخرج أنطونيو نوش قصّة عائلية أخرى تدور أحداثها في رحى الحرب حين ينزح رجل وعائلته إلى منزل شقيقه خارج مناطق القتال، وذلك رغم العداء المستحكم بينهما. الحمار في الفيلم سيعلِّم الرجلين كيف يتصالحان مع نفسيهما.

موعد سينمائي يستعيد فرح انتصار الحياة على الموت... ولو أن الماضي ما زال حاضراً

العائلة محور الفيلم البلغاري (مع مشاركة سويدية) «ألعاب شرقية» لكامين كاليف، عن شقيقين أحدهما شاب صغير السنّ ينضمّ إلى عصابة من «ذوي الرؤوس المحلوقة» معرِّضاً عائلته للخطر. أمّا شقيقه الذي يخضع لعلاج من الإدمان على الهيرويين، فيعيش علاقة مع فتاة تركية سرعان ما تصبح ضحيّة للعنصريّة. في فيلم «فتاة سلوفية» لدميان كوزول نتتبّع دراما عن فتاة جامعية تعمل فتاة متعة في الليل لكي تعيل نفسها، وتوفّر نهاية سعيدة لوالدها الذي كان عازف «روك أند رول». كل هذه الأفلام تركِّز على العائلة وما آلت إليه بعد الحرب.

يبقى المهرجان حريصاً على ألَّا يكون «مجلس حرب». وبالتالي، تأتي شروط قبوله للأفلام البلقانية تبعاً لجودتها، على ألا تكون قد عرضت في مهرجان آخر. اهتمام الإنتاجات السينمائيّة المعروضة يرتكز على الأوضاع الاجتماعية والأسرية، وخصوصاً في تلك المقاطعات التي كوّنت دولة يوغوسلافيا سابقاً، إلّا أنّ المهرجان استطاع النفاذ إلى بعض الدراميات الاجتماعيّة التي لا تطرح موضوع الأسرة.

أحد هذه الأفلام «رجال على الجسر» وهو فيلم تركي لأصلي عوج عن مصائر ثلاث شخصيات تعيش وتعمل فوق ذلك الجسر الممتد بين تركيا الآسيوية وتركيا الأوروبية قرب أنقرة: شرطي سير وسائق تاكسي وشاب يبيع الورود بلا رخصة. المدينة هي رحى معركة بين الحياة والموت في الفيلم المجري «انتقالات»، وقد نفّذه فنّياً على نحو مثير للاهتمام المخرج رولاند فرانيتش. ومع «السود» للكرواتيين غوران دفيتش وزفونومير جوريتش، نعود إلى سيرة الحرب حيث المدينة محاصرة ومجموعة من الجنود الذين يريدون استرداد رفاقهم الذين سقطوا في إحدى المواجهات. إنّها حرب، كتلك التي وقعت في بلادنا، ترفض مغادرة البال والذاكرة إلى حين طويل. «مهرجان ساراييفو» ـــــ مثل «زغرب» الكرواتي و«بلغراد» الصربي ـــــ موعد سينمائي يستعيد فرح انتصار الحياة على الموت... ولو بمضامين توعز بأن أجيالاً كاملة لم تُشفَ بعد من ذلك الماضي الذي ترك بصماته وأسئلته على المخيّلة الإبداعيّة، والذاكرة الجمعيّة، والضمير الأوروبي في آن واحد...

www.sff.ba/en/main

الأخبار اللبنانية في

17/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)