تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

من واقعية الطيب وبشارة وخان الى غضب خالد يوسف:

عشوائية القتل والدم والبيوت في مرايا السينما السياسية

القاهرة ـ من كمال القاضي

موجة الأفلام التي تناولت العشوائيات وركزت على الجرائم والانحرافات لم تكن إلا انعكاس لواقع جديد أفرزته الظروف الاجتماعية والاقتصادية يرفض الجمهور الاعتراف بها خاصة تلك الفئة التي تربط قسرا بين الصورة السيئة لواقع حقيقي وسمعة مصر متأثرة في ذلك بالدعاية المضادة التي تطلقها وسائل الإعلام الحكومية لإحباط ما تحققه الأفلام المنتمي أصحابها الى خندق المعارضة وهي الحرب التقليدية الدائرة بين أتباع النظام القائم والنخبة المثقفة التي ينتمي معظمها الى التيار اليساري أو الاشتراكي الناصري لكونهما التياران الوحيدان المناهضان لسياسة التأييد المطلق لحكومة الحزب الوطني المتسببة في ثبات الوضع الاقتصادي عند حده الأدنى بالنسبة للطبقة الوسطى وما تحتها، وقد شكل التياران المعارضان صحوة سينمائية غير مسبوقة تمثلت في أفلام مثل: حين ميسرة، دكان شحاته، بلطية العايمة، الغابة، خلطة فوزية، السفاح، إبراهيم الأبيض' تلك التي تزامن عرضها في توقيتات متقاربة على مدى ثلاثة أعوام متتالية في الفترة ما بين 2007- 2009 وأحدثت زلزالا في معنى السينما ودورها ورسالتها أدى بالتالي الى خلق تيار نقدي مواز تباين في قراءته للأفلام بين التأييد والمعارضة حسب ثقافة كل ناقد ومرجعيته الفكرية والثقافية، وهو ما يعد حراكا ثريا يدفع لا شك بقاطرة السينما الى الأمام وربما يعود هذا الفضل بالأساس الى السينما التسجيلية فهي التي لفتت النظر الى بؤر الفساد والعشوائية وأشارت الى الانقسام الطبقي في مجتمع يعيش غالبية سكانه تحت خط الفقر، حتى السينما الروائية القصيرة ألمحت الى تفاصيل صغيرة مهمة في حياة الهامشيين من سكان مصر المحروسة القاطنين فوق هضاب المقطم الآيلة للسقوط وأحياء القاهرة الفقيرة وسط مزارع الخنازير وفي الجحور الرطبة الموبوءة بكل الأمراض، كان دور الأفلام القصيرة واضحا تمام الوضوح في إجلاء الحقيقة كما كان للأفلام التسجيلية نفس الدور، وذلك قبل أن تدخل السينما الروائية الطويلة حلبة المنافسة بقوة معتمدة في طرحها على الرصد اكثر مما تعتمد على الرؤية الدرامية والتحليل ودون إدعاء بتقديم الحلول السحرية للمشكلات والأمراض المستعصية كالفقر والبلطجة والقتل واللصوصية والاغتصاب الى آخره، وأمام الثورة المشتعلة من جانب الكتاب والمخرجين على دولة البيروقراطية والتغييب وديمقراطية الانتخابات الحرة المشتراة بأموال دافعي الضرائب تولدت الشرارات الناتجة عن صدام الفريقين، المؤيد لهذا اللون السينمائي الجديد والمعارض له وعليه كانت التبعات المترتبة على ذلك قنابل موقوتة تفجرت على صفحات الجرائد والمجلات والقنوات الفضائية اصيب على اثرها اصحاب الأفلام بشذرات الهجوم، بل أن الأمر تطور الى الشك في وطنيتهم لمجرد أنهم لا يرددون كلام الحكومة وينظرون الى الواقع الاجتماعي والسياسي بمنظار مكبر، من أبرز المخرجين والكتاب الذين طالتهم ألسنة اللهب وسهام الطعن خالد يوسف وناصر عبدالرحمن باعتبارهما اول من تجرأ وتجاسر على تقديم المجتمع بصورته الراهنة دون تزيين فهما صاحبا التجربتين الرائدتين 'حين ميسرة، دكان شكاته' والمنتميان الى التيار الاشتراكي الناصري والمنحازان في كل ما يطرحانه الى طبقة الفقراء ـ الطبقــــة المنسية والساقطة من حسابات وبرنامج التنمية للحزب الحاكم، وهو الشيء المقلق بالنسبة للسلطات التي ترى في هذه النوعية من الأفلام منغصات وتعتبرها أدوات تحريض ومنشورات مرئية من شأنها إحداث بلبلة وتكدير للأمن العام حسب التهم المعلبة التي يواجهها عادة المتمردين من المبدعين بمختلف تخصصاتهم ومواهبهم، ولا يقتصر الاتهام على خالد وعبدالرحمن فقــــط وانما هناك من تشملهم القائمة مثل بلال فضل كاتب فيلم 'بلطية العايمة' الذي لم يخرج مضمونه عن سياسة الفضح والمكاشفة، كما ان فيلما آخر بعنوان 'خلطة فوزية' للسيناريست هناء عطية والمخرج مجدي أحمد على حمل نفس سمات الإدانة وأعرب عن رفضه للظلم والطبقية والرأسمالية الانتهــــازية، فلم يخف الإثنان، الكاتبة والمخرج قناعاتهــما ولم يتخليا عن أفكارهما المنحازة لقيم العدل والمساواة فهما مثقفان لا يخرج إبداعهما عن الإطار السياسي المعارض ايضا مما يستوجب الربط بين هوية المبدع وطبيعة إبداعـه، حيث ينضح كل إناء بما فيه لصعوبة الانسلاخ عن الذات والتفريط بما يؤمن به العقل إلا في حالات الإضطراب والتراجع والهزيمة أو ما يسمونه ببيع القضية، فلو تأملنا التجارب السينمائية السابقة عند مخرجين مثل عاطف الطيب أو خيري بشارة أو محمد خان أو داوود عبدالسيد أو رضوان الكاشف سنلحظ تميزا واضحا على مستوى الحوار والصورة والمضمون والهدف فمعظم ما قدمه هؤلاء كان يعكس تجاوبا سياسيا مع أفكارهم ومبادئهم فعاطف الطيب رفض الانفتاح الاقتصادي في فيلميه الكبيرين 'أهل القمة' و'سواق الاتوبيس' وأماط اللثام عن مافيا التعويضات في 'ضد الحكومة' وأدان الديكتاتورية في 'البريء'، وكذلك لم يقف خيري بشارة صامتا أمام الظواهر السلبية فقد قدم العشوائية والفقر بشكل إنساني في أفلام مثل 'يوم مر ويوم حلو' و'آيس كريم' وفي 'جليم وكابوريا'، ومثله محمد خان صاحب رائعة 'أحلام هند وكاميليا' وداود عبدالسيد مبدع 'الكيت كات' و'سارق الفرح'، وأيضا رضوان الكاشف المنتمي لنفس المعسكر، ذلك الرجل الذي طرح أوجاع الفقراء بشاعرية شديدة في 'ليه يا بنفسج'، 'عرق البلح'، 'الساحر'، دون صخب أو ضجيج، لكونه اعتمد اسلوبا طيعا ولغة هادئة رقيقة تسللت معانيها وتفاصيلها مباشرة الى القلب، وهذه النوعية من السينما برغم نعومتها إلا أنها أفصحت عن الكثير من الآلام وحملت وجهة نظر صاحبها بمنتهى الصراحة والوضوح.
وليس أدل على فاعلية الأفلام المشار اليها وجرأتها من كونها لا تزال تمثل رصيدا عظيم القيمة في بنك السينما المصرية التي تجاوز تاريخها المائة عام، ولو تذكرنا المعارك التي دارت بين الرقابة وشركات الانتاج على خلفيات ما ورد بهذه الافلام من نقد لاذع للسلبيات والمساوئ سندرك حجم ما عاناه الكتاب والمخرجين من ذوي الآراء الحرة في سبيل تحقيق رسالتهم، وهو ما يجعلــــنا نجزم بأن ما يحدث الآن من صدامات وخلافات واحتجاجات واتهامات لا يعدو كونه امتــدادا للصراع التاريخي بين القارئ الجديد من أفكار ووجهات نظر واعتقادات وبين الثابت ـ الراسخ لدى السواد الأعظم من الناس ممن ينكرون على السينما حقها في المعارضة والمواجهة، علما بأن ما يحتجون عليه من صور القتل والدم موجود بنفس الكيفية في صفحات الحوادث بصحف الحكومة السيارة تتاجر به وتتخذ منه وسيلة لرفع نسبة التوزيع ما يجعل الأفلام وأصحابها أبرياء من تهمة الإثارة وتشويه السمعة الطيبة للبلد الأمين.

القدس العربي في

04/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)