حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

أيقونة التمرد.. تحية كاريوكا

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 3 )

حيرة وشباب

بدأت بدوية أولى خطواتها على طريق «الثورة والتمرد» بحثاً عن الاستقلال، فلم تجد أمامها غير الفرار… لكن إلى أين؟ المدينة كلها في قبضة أخوتها. حملت صرة ملابسها البسيطة، وذهبت إلى محطة السكة الحديد لتلقي بنفسها في أول قطار متجه إلى القاهرة، وهي لا تحمل من النقود ما يعينها على النجاح في مهمتها.

دون أن تخطط أو تدري وجدت بدوية نفسها في القطار، جلست منزوية خائفة تشعر بأنها ذاهبة إلى مصير مجهول، لا تعرف إلى أين. لا تحمل معها إلا اسم سيدة وشارع، هما كل ما تملك في رحلتها إلى المجهول، حتى إنها لا تملك ثمن تذكرة القطار الذي تجلس فيه، تتمنى ألا يكلمها أحد، وألا تتكلم مع أحد، حتى يصل بها القطار. غير أنها فوجئت بمحصل القطار يطلب منها التذكرة:

= التذكرة يا بنتي.

* إيه؟ تذكرة إيه؟

= تذكرة القطار اللي انت راكباه… فين؟

* مش معايا.

= انت جايه منين ورايحه فين؟

* اصل أنا بشتغل هنا عند ناس في الإسماعيلية ومروحه لأهلي في مصر.

= طب إزاي مش معاك فلوس؟

* هما مشوني من غير فلوس.

= أيوه بس انت كده هاتتطوقي.

* يعني إيه هاتطوق مش عارفه؟

= يعني هتدفعي تمن التذكرة بزيادة شوية… هتدفعي تمنتاشر قرش.

* أنا معايا نص فرنك (قرشين صاغ) بس!

= إيه… نص فرنك؟!

استرسلت بدوية في البكاء بسبب مطالبة المحصل لها بثمن تذكرة القطار، فرق لها قلب الركاب، فقام أحدهم وجمع من كل راكب ما يستطيع دفعه، ما بين «قرش صاغ وتعريفة ونصف فرنك» حتى تم جمع ثمن تذكرة القطار، وبقي معها «القرشين صاغ» كما هما.

راحت بدوية تسبق عجلات القطار بخيالها إلى القاهرة، كيف سيكون شكل مصر؟ وأين يا ترى شارع «علاء الدين» هذا؟ ولماذا هذا الشارع تحديداً؟ هل هو مخصص للعوالم والفرق الغنائية؟ أم أنها تسكن فيه؟ وهل ستتذكرها السيدة سعاد محاسن فعلاً وهل ستستقبلها؟ أم أنها قالت هذا الكلام لمجرد وجودها عندهم في الإسماعيلية؟ وإذا قبلتها، مؤكد أنها ستجعلها خادمة لديها، فهل ستعود إلى الخدمة في البيوت؟ ليس مهماً أن تعاود خدمة في البيوت، المهم أنها فرت من جحيم أخيها وزوجته، بل ومن أفراد الأسرة كلهم الذين لا يرغبون في بقائها معهم، ويرون فيها عبئاً ثقيلاً عليهم، باستثناء عثمان ابن أخيها، وأختها «مريم»!

شارع عماد الدين

دخلت بدوية شارع عماد الدين نهاراً، والزائر يجد فارقاً كبيراً بين شكل الشارع نهاراً، حيث غالبية المحال أغلقت أبوابها والملاهي خالية سوى عمال النظافة، وشكل الشارع ليلاً حيث الداخل إليه كمن يسبح في بحر من الأضواء المتلألئة، وإن وجدت بقايا السهر من أعقاب سجائر وزجاجات فارغة يجمعها عمال النظافة أمام كل محل.

اقتربت بدوية من أحد العاملين في أحد هذه المحال:

* ياعم… ياعم… تعرف فين بيت الست سعاد محاسن؟

= بيت الست سعاد؟ مش هنا وأنا ماعرفوش… لكن اعرف إنها كانت شغالة في التياترو اللي هناك دا.

* يعني هي هناك دلوقت؟

= لو عايزه تسألي عن حد من الأرتيست تيجي بالليل… بالنهار مافيش حد.

وجدت بدوية أنها لا بد من أن تمضي ما يقرب من عشر ساعات حتى يحل الظلام وتدبّ الحياة في شارع عماد الدين، فراحت تمشي لتتعرف إلى القاهرة. وقفت أمام «الفيترينات» وإعلانات الشوارع. شعرت بالجوع منذ أول أمس، تذكرت الطعام الذي أعطاه لها ابن شقيقها عثمان. اقتربت من حديقة الأزبكية واختارت مكاناً بعيداً عن المارة وجلست تأكل.

ما إن وطأت قدماها أرض القاهرة، وأينما ولت وجهها، وجدت «الاستقلال» الكلمة الأكثر شيوعاً وترداداً على ألسنة المصريين، في الشوارع، المحلات، المقاهي، فهي شاغلهم الأكبر. لا هدف لدى الجميع سوى «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»… ليس مجرد شعار يرفعونه ويكتفون به لمقاومة المحتل، بل إن كل شيء يقومون به ينطق بهذه الدعوة، فقد انتهى الشيخ سيد درويش من مهمته في تحقيق الاستقلال الموسيقي، وعمل على تطهير الموسيقى المصرية من كل ما هو دونها، ليصبح للمرة الأولى في التاريخ الحديث ما يُدعى موسيقى مصرية خالصة، استخلصها الشيخ سيد خلال حياته القصيرة، من رجل الشارع المصري، من «السقاقين والبنائين والحمالين والبوهياجية» فجاءت نابعة منهم تعبر عنهم. ونجح سيد في تقديم موسيقى مصرية بحتة بعد احتلال فكري وثقافي امتد عشرات، بل ربما مئات السنين، وكان طلعت حرب في طريقه إلى النجاح ليحقق لمصر استقلالها الاقتصادي، وتوفيق الحكيم يرسي دعائم الكتابة للمسرح المصري، وسط موجة من الاقتباس والتمصير، وأحمد لطفي السيد يرعى شعار «مصر للمصريين» وليست لغيرهم من الأجانب، فيما وضع نجيب الريحاني ويوسف وهبي وجورج أبيض وغيرهم أسس فن التمثيل المصري. أما في الرقص فكانت حكمت فهمي تحاول جاهدةً تطهيره من تأثير الراقصات الأجنبيات.

طريق الاستقلال

ربما لم تعرف بدوية ذلك كله بحسها الطفولي، غير أنها استشعرت شيئاً مختلفاً، ثمة حالة مخاض كبرى في بلد حبلى.

أمضت ساعات النهار الطويلة بين النوم في حديقة الأزبكية والسير في الشوارع ومشاهدة المحلات وعادات أهل القاهرة وتقاليدهم، وما إن خيم الظلام حتى اتجهت إلى التياترو الذي أشار لها إليه عامل النظافة، وتعمل فيه سعاد محاسن، لكن ما إن سألت عليها حتى جاءتها الصدمة وخيبة الأمل: الست سعاد مش هنا… هي دلوقت بشتغل في كازينو «بيجوبالاس» في الإسكندرية…

جلست بدوية على الرصيف المقابل للتياترو، وراحت تبكي، فقد اسودت الدنيا في وجهها، لا يوجد من تعرفه أو يعرفها، ليس لها في هذه المدينة الواسعة المزدحمة من تلجأ إليه، إلى أين تذهب؟ هل تنام في الشارع على الرصيف؟

شعرت بالخوف، انفجرت بالبكاء، لا تعرف ماذا ستفعل، وكيف الوصول إلى الإسكندرية؟ وبينما هي تبكي وتفكر في ما ورطت نفسها فيه، حتى فوجئت برجل وامرأة يقفان أمامها:

= مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟ فيه حاجة ضاعت منك؟

* لا… أنا كنت جايه هنا لواحدة قريبتي ومالقتهاش.

= طب معلش متعيطيش دلوقت تيجي.

* لا مش جاية.

= ياساتر يارب ليه يا بنتي؟

* أصلهم قالولي إنها سافرت الإسكندرية.

= طب بسيطة ماتسافري لها.

* مش معايا فلوس ومليش حد هنا.

= كدا… طب تعالي معايا… تعالي ماتخافيش يا حبيبتي تعالي.

استضاف عازف البيانو محمد الدبس وزوجته بدوية في بيتهما لمدة ليلتين. أكلت وارتاحت من عناء السفر والمشي في شوارع القاهرة وما إن هدأت نفسها حتى قصت حكايتها على محمد الدبس وزوجته، اللذين أظهرا معها تعاطفاً كبيراً. وفي صباح اليوم الثالث فاجأها محمد الدبس بأن اصطحبها بنفسه، ومعهما زوجته، إلى الإسكندرية، ولم يتركاها إلا في «كازينو بيجوبالاس» مكان عمل سعاد محاسن:

= ياه… آخر حاجة كنت أتوقعها إنى أشوفك هنا في الإسكندرية يا بدوية… إزي أحمد أخوكي عامل إيه… ومرسي؟ ازيهم كلهم؟

* انت لسه فاكراني يا ست سعاد؟

= انت اللي زيك مايتنسيش يا بدوية… قوليلي بقى عرفتي مكاني إزاي وإيه اللي جابك… وقلتِ إيه لأهلك؟ قوليلي انت مش جعانة؟ أقولك تعالي نتغدا واحكي لي وإحنا بناكل.

لم يكن استقبال الإسكندرية لبدوية كاستقبال القاهرة، وللمرة الأولى تشعر بدوية بالأمان والدفء، لذا لم تخجل من أن تقص على سعاد محاسن كل حكايتها، لم تترك شيئاً إلا وقصته عليها، سواء ما عاشته في سنوات عمرها القليلة، أو ما وصل إلى مسامعها من أخوتها والمقربين منها، زواج والدها من والدتها، وحتى رحيله وزواج الأم، إضافة إلى المعاملة القاسية التي لاقتها من أخوتها وعملها لدى أخيها كخادمة.

من أول السطر

لم تخجل بدوية من أن تفتح كتاب حياتها أمام سعاد لتطلع على أدق تفاصيله، فلم يكن هناك ما تخجل منه، بقدر ما يثير الشفقة والحسرة على هذه الفتاة التي لم تكد تخرج إلى الحياة حتى حرمت منها، لتبدأ من أول السطر في كتابها الجديد.

لم تستطع سعاد أن تكمل طعامها بسبب ما أصاب قلبها من حزن لهذه الفتاة التي لم يعد لها أحد في الدنيا سواها بعد الله سبحانه وتعالى، فراحت تفكر ماذا تقدم لها وكيف تساعدها:

* معلش يا ست سعاد اعذريني صديت نفسك عن الأكل.

= لا يا حبيبتي… أنا شبعت… انت اللي ماكلتيش… كلي.

* الحمد لله… كتر خيرك.

= بس أنا المفروض ابعت تلغراف لأخوك وأقوله أنك هنا عندي.

* لا أبوس ايدك بلاش.

= ما هو لازم يعرف.

* هاييجي ياخدني.

= طب وماله المهم يطمن.

* لو بعتيله هاموت نفسي في المالح.

= لا خلاص… بس بس… الله دا الأستاذ بشارة… أستاذ بشارة تعالي.

ـ يا مسا اللوز والجوز… الله الله الله… إيه الحلويات دي يا ست سعاد. تطلع مين بسلامتها؟

= أعرفكم ببعض… دا الاستاذ بشارة واكيم، ارتيست أد الدنيا على المسرح. وكمان قريب أوى هيعمل فيلم في السيما. ودي بقى بدوية محمد.

ـ بدوية… مدد يا شيخ العرب.

= احضرنا يا أستاذ بشارة. اصل بدوية سابت أهلها وجت علشان تشتغل معايا.

ـ الله… طب وبعدين يا بدوية؟ الشغل يا بنتي هنا صعب عليك وانت يا دوب لسه طالعه للدنيا عودك أخضر.

= طب قوللي يا بدوية تعرفي تعملي إيه؟

* أي حاجة يا ست سعاد… أي حاجة… إن شا الله أخدم في بيتك. المهم ابعد عن النار اللي كنت فيها.

= إخس عليك… تخدمي إيه. اعتبري نفسك من النهارده زي بنتي… يوه استغفر الله العظيم بنتي دا أنتِ لسه صغيرة… اعتبري نفسك زي اختى الصغيرة… انت هتشتغلي معايا في فرقتي.

* ربنا يخليكي… كتر خيرك.

= المشكلة أن رواية «عايدة» اللي بنقدمها متستفه ومفيهاش دور ينفع لك.

ـ تاهت ولقيناها يا ست.

= قول يا أستاذ بشارة؟

ـ الرواية فيها أدوار عساكر كتير من اللي بيطلعوا على المسرح مع عايدة… تطلع معاهم وتقف زيهم وتمسك الحربة في ايديها… وأهي بسلامتها شعرها قصير ومش هتبان إذا كانت راجل ولا ست.

= تسلم أفكارك يا أبو البشابيش… وأهو تقضي معانا الموسم وربنا يفرجها الرواية الجاية أعمل حسابك.

بدأت بدوية عملها في فرقة سعاد محاسن على خشبة كازينو «بيجوبالاس» في الإسكندرية، ككومبارس براتب شهري قدره ثلاثة جنيهات، كذلك حرصت سعاد على أن تنزلها معها في حجرتها في الفندق، فلم تتركها بمفردها أو مع أي من فتيات الفرقة، وشددت عليها ألا تسهر أو تخرج مع أي منهن، أو أن تقف وتتحدث، ولو مجرد حديث عادي، مع أي من رجال الفرقة، سواء من دون بسبب أو حتى بسبب، حتى شك أعضاء الفرقة كلهم في أنه ربما كانت بدوية على صلة قرابة بسعاد محاسن وتخفي الأمر عن الجميع، بل ذهب خيالهم إلى ما هو أبعد من ذلك، بأن تكون بدوية ابنة سعاد محاسن وأنها سبب الخلاف الذي وقع أخيراً بين سعاد وزوجها وتركها على إثره وعاد إلى بلده لبنان!

احتراف الرقص

انتهت رواية «عايدة» واستمرت الفرقة في الإسكندرية بقية الموسم الصيفي لعام 1931، قدمت خلالها أكثر من رواية، شاركت بدوية فيها ضمن مجاميع الفتيات اللاتي يرقصن في استعراضات الروايات، وغنت فيها سعاد كمطربة الفرقة الأولى.

حتى جاء يوم غابت فيه راقصة الفرقة الأولى لولا سالم، ولم يكن غيابها بالأمر السهل الذي قد يتغاضى عنه الجمهور، وكان ليسبب مشكلة كبيرة بين الجمهور وإدارة الكازينو… هنا، تجرأت بدوية وعرضت على سعاد محاسن أن تحل محل لولا إنقاذاً للموقف:

= انت يا بدوية؟ هتقدري؟

* هتشوفي يا ست سعاد.

انتهت الرقصة، وجاء وقع المفاجأة على بدوية نفسها أكبر من وقعها على سعاد أو أي من أعضاء الفرقة، حيث التهبت أكف الجمهور بالتصفيق، بل وطالبوها بالرقص ثانية، وتكرر الإعجاب والتصفيق نفسهما، حتى إن الجمهور أصبح يطلبها بدلاً من لولا التي لم تجد مكاناً لها في الفرقة، فقررت أن تغادرها، ووافقت سعاد أن تعتمد على بدوية بدلاً من لولا سالم، وهي مطمئنة.

كل يوم كان يمر أكد لأعضاء الفرقة العلاقة الوطيدة بين بدوية وسعاد، ولم يصدقوا أنها ليست ابنتها، أو أن لا علاقة قرابة تربطهما إلا عندما زال الخلاف بين سعاد محاسن وزوجها وتم الصلح بينهما، حيث عاد من لبنان ليصحبها معه. غير أن سعاد أرادت أن تطمئن على أعضاء فرقتها، خصوصاً بدوية، فاستغلت وجود بديعة مصابني في الإسكندرية وعقدت معها اتفاقا:

ـ يعني تقصدي أخد الفرقة كلها؟

= الجمل بما حمل.

ـ أيوه بس يعني أنا فرقتي كاملة… وانت فرقتك كبيرة برضه يا سعاد.

= انت ما شاء الله يا بدعدع… بقيتي الملكة دلوقتي وفرقة بديعة لازم تكون على اد اسمها… وبعدين اللي انت شايفاه مش مناسب لك استغني عنه… بس إلا بدوية.

ـ مين بدوية؟

= دي بنت كويسة أوي من الإسماعيلية… أعرفها وأعرف عيلتها… البنت هايلة ويجي منها يا بديعة راعيها هاتكسبيها.

ـ هي دي اللي رقصت بدل لولا سالم.

= ايوه هي. دي جننت الجمهور من أول ليلة… استني اندهالك. بدوية… بدوية… تعالي… سلمي على الملكة بديعة مصابني.

* طبعاً هو فيه حد في البر كله ما يعرفش الملكة.

ـ دا انت عال أوي يا بدوية. عيني باردة عليك… أنا سامعه عنك كلام حلو أوي.

= دي لهلوبة… من يوم ما طلعت على المرسح بدل لولا والجمهور بقى يطلبها.

ـ صحيح الكلام اللي بتقوله الست سعاد دا يا بدوية.

* ماعرفش هي اللي تعرف.

ـ وحتى لو مش صحيح… عند بديعة لازم يبقى صحيح.

= بديعة… بدوية اختي الصغيرة مش هاوصيك عليها… أنا كنت محرجة عليها تسهر ولا تشرب ولا حتى تكلم حد من رجالة الفرقة.

ـ ما انت عارفه يا سعاد… أنا ما عنديش الكلام دا… صالة بديعة سمعتها زي البرلنت.

= أنا واثقة من كدا… بس علشان أنا بعز بدوية بوصيك عليها.

غادرت بدوية الإسكندرية بصحبة بديعة مصابني لتنضم إلى فرقتها، والأهم أن بديعة حلت محل سعاد بالنسبة إليها كشقيقتها الكبرى. غير أن فرقة بديعة مصابني لم تكن مجرد فرقة فنية، بل بمثابة معهد لتدريب الفنانين وصقلهم، ولا بد من أن تمر بدوية بمرحلة التدريب قبل مواجهة جمهور «صالة بديعة» مهما كانت براعتها أو غيرها من راقصات، يجب أن تمر على مدرب الرقص الإسباني الخاص لدى بديعة إيزاك ديكسون. لكن ما إن عزفت الموسيقى وبدأت بدوية الرقص، حتى راح كل من إيزاك وبديعة يتبادلان النظرات والابتسامات معاً، فلم تكن بدوية تحتاج إلى تدريب بقدر ما تحتاج إلى أسلوب يخصها وحدها في الرقص، وهو ما كانت تسعى إليه. استوقفتها بديعة فجأة وقطعت رقصها وطلبت منها عدم استكمال الرقص… ونظرت إليها وظلت صامتة تهز رأسها، الأمر الذي أصاب بدوية بالرعب، فهي أمام أحد أمرين لا ثالث لهما، إما أن رقصها جاء مدهشاً، وبدافع الغيرة سترفض بديعة استمرارها في الفرقة، أو أن رقصها لم يكن بالمستوى الذي كانت تأمله، وأيضاً سترفض استمرارها في الفرقة. أي أنها في الحالتين ستطردها من الفرقة!

البقية في الحلقة المقبلة

 

بدوية في القاهرة

لم تكن بدوية قد بلغت الخامسة عشرة حين حطت بقدميها على أرصفة محطة سكك حديد مصر في القاهرة، لتخرج إلى شوارعها بحثاً عن «الاستقلال» الذي لم تكن تريد غيره، بغرض عيشة هادئة مستقرة بعيداً عن الضرب والإهانة.

مع ضوء الصباح خرجت بدوية إلى شوارع القاهرة، عالم آخر، زحام وسيارات هنا وهناك… لم تعتد على رؤية مدينة بهذا الزخم، بعدما كانت تعيش الهدوء والسكينة في الإسماعيلية. اقتربت من أحد المارة الذي سخر منها فتلقفها آخر:

* والنبي ياعم… ماتعرفش شارع «علاء الدين»؟

= علاء الدين دا اللي بيطلع له العفريت من اللمبة؟

* لا دا الشارع اللي فيه الست سعاد.

= دوري يمكن تلاقيه.

ـ تعالي يا بنتي شكلك مش من هنا… انت رايحه فين؟

* شارع علاء الدين.

ـ علاء الدين!! مفيش النواحي دي شارع اسمه علاء الدين… ماقالولكيش فين؟

* ماعرفش… كل اللي اعرفه أن فيه الست سعاد المغنية.

ـ مغنية؟ تكونيش تقصدي شارع عماد الدين؟

* أيوه… أيوه هو شارع عماد الدين.

الجريدة الكويتية في

22/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)