في حوارٍ خاصٍّ لـ"إيلاف" فجَّر المخرج إسماعيل عبد الحافظ المفاجأت،
وفتح النَّار على الإسلاميين، الذين وصفهم براكبي الثَّورة المصريَّة.
القاهرة: تنبأت
أعماله بالثورة المصرية، حيث طالب بـ"أكتوبر آخر" لثورة استجاب الشعب
المصري لها، وقام بثورة تحدث عنها العالم بكامله. فقد توأم روحه في
الكتابة، وانتهت أحلامه في التغيير مع رحيل أسامة أنور عكاشة، لكن نهر
إبداعه لم ينضب بعد، ولايزال في جعبته المزيد ليقدمه إلى الدراما المصرية
بعد ثورة 25 يناير. رفض الرقابة على الدراما، وصوَّت في الإنتخابات
البرلمانية لكل من هو ليبرالي، وتعهد بالتصدي لكل من يقف أمام عجلة الفن
والإبداع المصري.
·
بعد مسلسل "أكتوبر الآخر" أصبحت
في حالة من الهدوء والترقب، هل هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟
مسلسل "أكتوبر الآخر" من الأعمال المهمة والفارقة في تاريخ الدراما
المصرية، وتنبأ بالثورة، ومن اسمه تلاحظ دعوة إلى أكتوبر جديد، على غرار
أكتوبر 73، الذي توحد فيه الصف المصري، وقام الشعب بحرب حررت مصر من
العدوان الإسرائيلي على أراضيها، وهذا ما فعلته الثورة المصرية العظيمة،
التي حررت البلاد من الفساد الذي كتم أنفاسنا لمدة 30 عامًا.
بعد "أكتوبر الآخر" كنت على وشك الشروع في مسلسل "همس الجذور"، الذي
يتناول صورة الفلاح المصري، الذي حافظ على أرضه ضد أي عدوان يصيبه ويصيب
بلده، ثم قامت الثورة، فتوقف الإنتاج، وفي الوقت نفسه عرض عليّ قطاع
الإنتاج المصري تقديم مسلسل يتناول سيرة حياة الشاعر بيرم التونسي،
واعتبرناها إحتفالية بالثورة التونسية، وبالفعل قمنا بالتجهيزات اللازمة،
لكن العمل توقف كسابقه، بسبب السيولة، على الرغم من أهمية العمل في رصد
ملامح حياة الشعب المصري خلال فترة ثورة 1919.
وبعدما توقف إنتاج العملين عرضت عليّ شركة صوت القاهرة للإنتاج إخراج
مسلسل "إبن الإيه" من تأليف الكاتب الصحافي طارق بركات، ومن المقرر بدء
التصوير خلال شهر من الآن.
·
ما هي قصة العمل؟
يحكي العمل عن قرية مصرية تستيقظ على طفل حديث الولادة ملقى بين
الغيطان، وتحتار القرية في معرفة هوية السيدة التي ألقت بطفلها في المجهول،
وسط غموض يلفّ حلقات المسلسل، ثم يُكتشف أن أم هذا الطفل هي سيدة من الغجر
المتنقلين بين القرى، وليست من أهل تلك القرية، وأن والد هذا الطفل هو باشا
من باشاوات القرية يختفي من القرية تمامًا، حتى لا يُكتشف أمره.
يتكفل شيخ من شيوخ القرية بتربية الولد، ويقع في غرام ابنة هذا الشيخ،
ويعيش هذا الولد في مأساة بين حاضره المليء بالظلم وماضيه المليء بالعار.
·
لماذا يعود دائمًا إسماعيل عبد
الحافظ إلى الصعيد؟
الصعيد عالم سحري، له عاداته وتقاليده الخاصة، التي تختلف عن مصر
بكاملها، فهو مليء بالخبايا والأطروحات الجديدة، التي من الممكن أن يستفيد
منها أي عمل درامي، لذلك عدت ثانية إلى الصعيد المصري.
·
بعد الثورة المصرية توقع الجميع
أن يقدم المخرج إسماعيل عبدالحافظ عملًا سياسيًا يتناول ثورات الربيع
العربي .. هل هذه الفكرة تراود إسماعيل عبدالحافظ، ومن الممكن أن ينفذها؟
نعم أنا أتمنى أن أقدم عملاً كهذا، لكن لابد من دراسة الواقع العربي
دراسة دقيقة ومتأنية، حتى نطرح عملًا موضوعيًا يغطى الجوانب كافة.
·
في رأيك لماذا اعتذر الفنان فتحي
عبدالوهاب عن مسلسل "إبن الليل"؟
فتحي عبدالوهاب لم يعتذر عن المسلسل، لكنني قدمت إليه السيناريو منذ
فترة ليبتّ فيه ويبلغني برده، إما بالموافقة أو بالرفض، لكنه لم يرد، لذلك
اعتبرت عدم رده هو رفض في حد ذاته.
·
هل مسلسل "إبن الليل" من الأعمال
المهددة بالتوقف بسبب السيولة كغيره من المسلسلات التي تنتجها شركة صوت
القاهرة؟
الشركة في صدد حلّ أزمة السيولة، خصوصًا بعدما تولى أحمد أنيس وزارة
الإعلام، لأنه يعلم جيدًا أن التلفزيون يعتمد على الدراما بشكل كبير، ولا
يجوز إهمالها، خاصة في تلك الفترة التي تمر بها مصر، من تحول في بنيان
وتركيبة المجتمع الفكرية والسياسية وإنعكاس ذلك بشكل كبير على الدراما.
·
هل أثرت وفاة الراحل أسامة أنور
عكاشة ورحيله على أعمالك؟
الأعمال التي قدمتها مع الراحل أسامة أنور عكاشة من أفضل الأعمال التي
قدمتها في حياتي، ولها مذاق خاص، ولكن الحياة لا تتوقف، ولا بد من
الإستمرار، وأنا على علاقة طيبة بمؤلفين لهم قيمتهم الفنية العالية، أمثال
الكاتب يسري الجندي، ومحفوظ عبدالرحمن وغيرهم من الكتاب المصريين المميزين،
لكن أنا والراحل أسامة أنور عكاشة كانت لنا أحلام، ونفذنا بعضها، والبعض
الآخر إنتهى برحيله.
·
برأيك ما هو سر نجاح الدراما
التركية وإنتشارها بشكل كبير في المنطقة العربية؟
الدراما التركية تغزو المنطقة العربية، وتعتمد على مضامين ضد أخلاق
المجتمع العربي عمومًا، والمسلم خصوصًا، والدليل على ذلك طرحهم لمسلسل
تابعه الملايين من العرب، قائم على فكرة زنا المحارم، ويروّج لها، ويجعل
المشاهد يتعاطف مع الجاني، ويقسو على المجنى عليه، وهذا ضد المبادئ
والأخلاق العربية والإسلامية، لكن للأسف العمل قُدم بحرفية عالية، هذا إلى
جانب الحبكة الدرامية مع المناظر الطبيعية في العمل، ما جعل المشاهد العربي
يتابع مثل هذه الأعمال بشغف.
وأنا أرى أن السبب الحقيقي وراء متابعة العالم العربي للدراما التركية
هو التكتم والرقابة التي تعانيها الدراما العربية، عكس التركية المنفتحة في
طرحها وفي قضاياها.
الدراما المصرية تستطيع أن تقدم أكثر من ذلك بكثير، ومسلسل "ليالي
الحلمية" خير دليل على ذلك، فطرح قضايا مهمة برقي وبمعالجة درامية مميزة،
والمتابع العربي والمصري ظل متشوقًا للعمل لأكثر من 5 أجزاء، وكان يطالب
بالمزيد، وتوقف العمل بسبب النظام الذي رفض استمراره، لأننا كنَّا سنتناول
الفساد في تلك الفترة، وعلى رأسه فساد جمال مبارك وعلاء مبارك، نجلي الرئيس
المخلوع حسني مبارك.
·
هل الدراما المصرية في صدد دخول
عصر جديد بعد ثورة 25 يناير؟
نعم، لكن من يقحم نفسه في الدراما الآن فهو راكب للموجة، ولا بد من
التريث حتى تستقر الأوضاع من إنتخابات رئاسية وبرلمانية وغيرها.
·
ما هو إحساسك وأنت تدلي بصوتك
للمرة الأولى في أجواء الحرية التي خلقتها الثورة؟
قبل الثورة كنت معتزلاً الحياة السياسية، ولم أنتم إلى أي حزب أو
إتجاه سياسي، فهناك من كان يصوّت بالنيابة عن البلاد بكاملها، عن طريق
التزوير، فالصوت لم يمثل أي فرق، لذلك معظم المصريين إعتزلوا السياسة
والإنتخابات. أما بعد الثورة أصبح صوت المصري له قيمة، ويحدث فارقًًا
واضحًا، لهذا قررت المشاركة في الإنتخابات.
·
برأيك هل هناك فرق بين السلفيين
والإخوان في حالة وصولهم إلى الحكم أم كلهم سواء؟
التعميم في ذاته خطأ، لكن كلهم سواء في عدم وضوحهم وركوبهم لموجة
الثورة، السلفيون أنفسهم رفضوا النزول في 25 يناير، وحرموا الخروج على
الحاكم، والإخوان كانوا آخر من شارك في الثورة، وأول من جنى ثمارها.
الإخوان المسلمون يعتزلون المليونيات، التي ترفع شعارات الثورة منذ
البداية وصولًا إلى الأحداث الأخيرة، التي وقعت أمام مجلس الوزارء، وما
فيها من إعتداءات غاشمة على حرمة وكرامة السيدة المصرية، فجرّدت الفتيات من
ملابسهن، وتم الإعتداء عليهن أمام أعين الملايين، وأنا أعتبرها فضيحة "بجلاجل"،
ونقطة سوداء في تاريخ المؤسسة العسكرية المصرية، بسبب المجلس العسكري، الذي
سمح بمثل هذه الإعتداءات، كل هذا ووقف الإخوان المسلمون مكممين الأفواه،
رافضين الحديث أو التعليق عمّا يحدث في البلاد.
·
بعد فوز الإخوان والسلفيين في
المرحلة الأولى والثانية من الإنتخابات البرلمانية .. كيف سيؤثر ذلك على
الفن في حالة إكتساحهم لبرلمان 2011؟
التيار الإسلامي سيحاول بكل طريقة أن يعرقل مسيرة الفن في مصر، لكن
هيهات لهم، ولن يتمكنوا من تحقيق أطماعهم، طالما أن هناك ثوارًا في مصر،
فبعد ثورة 25 يناير خرج المصري عن صمته، ولن يرضى بالظلم أو القهر بعد الآن.
·
لماذا كل هذا التخوف من التيار
الإسلامي، خصوصًا في الوسط الفني؟
التخوف مشروع، لكن دعنا نمنحهم الفرصة ونرى، الكل يعلم وجهته وهدفه،
وأهل الفن لن يتخلوا عن الفن، وسيطالبوا بتحرير الفن من عبودية الرقابة،
فلا رقابة على الإبداع، ولن يستطيع أحد أن ينتصر على إرادة الفن والفنانين.
·
لمن أعطى المخرج إسماعيل
عبدالحافظ صوته في الإنتخابات المصرية؟
أنا أعطيت صوتي لكل من هو ليبرالي، وأيّدت وبشدة قائمتي الكتلة
المصرية والثورة مستمرة، وكنت معهم من البداية قلبًا وقالبًا، وأنا ضد
التيار الإسلامي السياسي، إلى أن يخرج من قوقعة أفكاره الصماء، فالدين شيء
والسياسة شيء آخر، ففصل الدين عن السياسة مطلب أساسي، والشعب المصري أعطى
لهم فرصة في هذا البرلمان، ولن يستمر تواجدهم طويلًا.
·
لاحظنا في الفترة الأخيرة قيام
الكويت أو الإمارات بإنتاج بعض الأعمال المصرية .. كيف تقوّم هذه التجربة؟
الإنتاج الخاص في مصر دخل في طريق صعب أن يخرج منه، فالمموَّل الخاص
يدفع بالدراما المصرية نحو نفقٍ مظلم، لأن هدفه الأساسي هو الربح المادي
فقط، ولا يسعى إلى إرساء أي مبادئ في المجتمع.
والكل يعلم أن طريق الإنتاج الخاص ما هو إلا وسيلة لغسيل الأموال
الآتية من الرأسمالية المصرية الفاسدة ومن بعض الدول العربية، وما أحوجنا
إلى إنعاش جهات الإنتاج المصرية الثلاث، حتى نبثّ الحياة مرة أخرى في
الدراما المصرية، ولا بد من الإبتعاد عن دراما السوبر ستار، التي تجعل من
صاحبها مسيطر بالدرجة الأولى على مقاليد العمل، ويصبح العمل الدرامي ككل
متوقف على اسم واحد.
·
إذن أنت ضد التمويل الخاص
للأعمال الدرامية المصرية؟
بالتأكيد أنا ضد التمويل الخارجي أو الخاص للأعمال المصرية، لكن
بمقدورهم أن يدخلوا كشركاء، كما كان يحدث من قبل.
·
أصبحت الجرأة سمة بعض الأعمال
العربية والخليجية في هذه الفترة، كيف ترى الجرأة في الطرح الدرامي بشكل
عام؟
الدراما السعودية استطاعت أن تقدم فنًا حقيقيًا بالتدريج، فأقامت
الشركة العربية في مصر، واستعانوا بكوادر مصرية، حتى بدأت كوادر سعودية
تظهر على الساحة، وحينها بدأ استغلالهم لمصلحة الدراما السعودية المحلية،
عكس باقي الدول الخليجية، التي لم تأخذ الأمر بالتدريج، كالسعودية، وهذا ما
جعلهم محليين، وسيظلون محليين، لأنك حينما تبيع عملاً خليجيًا، لن تجد له
سوقًا سوى في دول الخليج.
أما من ناحية الجرأة فلا بد ألا تخدش الحياء، فالمخرج الواعي هو رقيب
على ذاته، وله وجهة نظر وفكر إخراجي، يستطيع أن يظهره بدون خدش للحياء
وبدون جرأة مبالغ فيها.
·
كلمة أخيرة لقراء إيلاف
أنا سعيد بهذا الحوار وسعيد بإهتمامك، وأنت تعلم جيدًا فضل مصر على
العالم العربي، ومن ينكر ذلك جاحد، وكنت أتمنى أن يقف إلى جوار مصر في هذه
المحنة جيرانها العرب، ليس كنوع من رد الجميل، لكن كواجب، وعندما يوصف
المصري في هذه الأثناء بأنه يأتي ليتسول، في حين أنه قدم يد المساعدة إلى
الكثيرين، وأنار الدرب في العديد من المجالات للإخوة العرب، يعطي هذا
الكلام إنطباعًا سيئًا لنا، فنحن لم نمد أيدينا لأحد، وفي هذه الفترة
الصعبة عرفنا العدو من الصديق.
إيلاف في
06/02/2012 |