حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يقدم برنامجه منذ 60 عاماً على "بي بي سي"

السير دايفيد آتينبارا المسافر عبر الزمن

إعداد: عبير حسين

هو “حالة خاصة” مقدم برامج منذ 60 عاماً، يتمتع بسحره الخاص على الشاشة الصغيرة، ورغم صعوبة عمله بمجال الأفلام الوثائقية، فإنه ما زال “متوهجاً” وقد بلغ الخامسة والثمانين من العمر .

السير دايفيد آتينبارا “المذيع العالِم” والمسافر عبر الزمن، الذي تقلّد أكثر من 29 تكريماً مختلفاً من جامعات ومعاهد أبحاث علمية مختلفة حول العالم، أصبح ظاهرة فريدة، مع برنامجه LIFE ON EARTH “الحياة على الأرض”، الذي تبثه قناة “بى بى سي تو” منذ عام 1979 وحتى الآن، وبلغ مشاهدوه أكثر من 500 مليون حول العالم .

لاتقل شهرته عن ملوك البرامج الحوارية في العالم أمثال لاري كينغ وأوبرا وينفري، وهو نموذج في العطاء والعمل الجاد في مجال يحتاج إلى بذل مجهود خارق بأماكن نائية لعدة أشهر لإنجاز حلقات كل موسم، والذي بدأ عرض الموسم الأخير منه نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعنوان “الكوكب المتجمد”، واجتذبت الحلقات الأولى 12 مليون مشاهد بريطاني، و80 مليون آخرين حول العالم .

السير آتينبارا يعتبر احترامه لقيمة العمل السبب الرئيس وراء استمراره على الشاشة، إضافة إلى نظام حياته الصحي الصارم الذي يتبعه منذ مراهقته وحتى الآن، فهو غير مدخن، يمارس رياضة الركض كل صباح بنفس المكان بحديقة ريتشموند في لندن قبل الإفطار، ويذهب إلى عمله غالباً بالدراجة، ويحرص على تعلم كل جديد .

استغرق تصوير حلقات الموسم الجديد من برنامجه أشهراً عدة  في منطقة سلفبارد القطبية بالنرويج، في درجات حرارة وصلت إلى ما دون 35 درجة مئوية، تحملها بشجاعة وجلد رغم المخاوف التي انتابت طاقم العمل والإنتاج من صعوبة المهمة عليه نظراً لتقدمه بالعمر، فإنه كان كعادته على أهبة الاستعداد دائماً لخوض “مغامرة علمية” جديدة، لم يكن ليفوتها خاصة مع زيادة التقارير العلمية الصادرة عن جهات عدة معنية بحماية البيئة من مخاطر التغير المناخي، أكدت أنه في حال استمرت درجات حرارة الأرض في الارتفاع بنفس المعدل الذي وصلت إليه هذا العام، فإن الأرض ستخسر كتلتها الجليدية بغضون عقدين فقط، لذا أدرك بحسه العلمي أنه يقدم للعالم “جرس إنذار قوي وحقيقي” للانتباه للمخاطر المحدقة بالأرض، أكثر من مجرد كونه وثائقياً .

المفارقة المثيرة أن نفس موقع تصوير الحلقات كان مسرح حادثة مؤلمة تعرض لها بعد ذلك بعدة أسابيع، الطالب البريطاني هيوارد تشابيل 17 عاماً،عندما قضى متأثراً بجراحه بعد هجوم دب قطبي على المخيم الذي استضاف عدداً من طلبة مدارس إنجليزية في إطار برنامج تبادل طلابي مع النرويج، وهو ما أثار فضول كثير من المشاهدين الباحثين عن حقيقة هذه الحيوانات المفترسة، والمناخ الذي تعيش فيه، وأسباب تعرضها للانقراض، وغيره من الأسرار العلمية التي سيكشفها الموسم الجديد من البرنامج .

السير آتينبارا يعتبر نفسه محظوظاً لأنه يحظى بمثل هذه الفرص وهو على مشارف التسعين، وإن كان لا ينفي أيضاً مخاوفه من أنه كان معرضاً لنهاية مثل التي آل إليها الطالب البريطاني .

وقبل عامين لقي صديقه العالم ستيفن أدوين عالم النباتات الذي كان يعد برنامجاً وثائقياً آخر على القناة نفسها عن مملكة النباتات، حتفه بسبب لدغة من أحد القوارض في غابات بابوا غينيا الجديدة، ولم يتوافر له العلاج المناسب وقتها لضعف الإمكانات الطبية المتاحة، وعندما سئل السير آتينبارا إذا كان ينوي التوقف عن المخاطرة بحياته بعد رحيل زميله، كانت إجابته بالنفي مؤكداً أنه يفضل الموت وهو يؤدي عمله الذي يعشقه، والذي واجه خلاله مخاطر عدة . ولعل أشهرها لقاؤه مع الغوريلا الضخمة بغابة فوسى في رواندا بالموسم الثاني عشر للبرنامج، وكانت أكثر اللحظات إثارة بحياته عندما وجد نفسه وجهاً لوجه مع ذكر غوريلا عملاق، لم يلتفت إليه فريق التصوير، أو المجموعة المكلفة حمايتهم، لكنه تعامل بهدوء مع الموقف لأنه يعلم أن الغوريلا لا تثور إلا في حالة الدفاع عن صغارها، وانسحب بهدوء والحيوان الضخم يرمقه بنظرات الاستغراب، وعندما أجرت القناة الرابعة بالتليفزيون البريطاني استفتاء عام 1999 عن أعظم 100 مشهد في تاريخ التلفزيون، جاء لقاء الغوريلا وآتينبارا بمرتبة متقدمة على مناسبات مهمة مثل تتويج الملكة إليزابيث الثانية، وعلى مشهد الزفاف الأسطوري للأمير تشارلز والراحلة ديانا1985 .

“الكوكب المتجمد” أحد أضخم برامج الوثائقيات، بلغت تكلفته ملايين عدة رغم أن حلقاته لا تتجاوز السبع، مدة كل منها 60 دقيقة، لذا تشارك في إنتاجه مع وحدة التاريخ الطبيعي في ال”بى بي سي” كل من قناة “ديسكفري”، و”أوبن يونيفيرستي”، وتولى مهمة مسؤول الإنتاج المنفذ كل من آليستر فوثيرجل، وفينيسيا بيرلوتز الحائزان على جوائز دولية عدة عن أعمالهم “الكوكب الأزرق” ،2001 و”كوكب الأرض” ،2006 وتمت الاستعانة بكاميرات خاصة للتصوير مناسبة لدرجات الحرارة المنخفضة جداً، ومزودة بتقنيات خاصة من أجل الحصول على لقطات بعيدة ترصد الحياة العائلية للدببة القطبية .

أصعب اللحظات التي واجهت طاقم العمل هي وقت حدوث تشققات كبيرة في أحد الصدوع الجليدية بالقرب من المخيم الذي كانوا يقيمون فيه، واضطروا للركض جميعاً حتى لا تبتلعهم طبقات الجليد التي بدت بلا نهاية، حتى وصلت إليهم مروحية الإنقاذ التي كانت ترصدهم على مدار الساعة، وانصبت مخاوف الفريق على السير آتينبارا، باعتباره أكبرهم سناً، وبالتالي غير قادر على الركض بعيداً عن الجليد المنهار، لكن ما أحزنه هو عدم قدرته على مساعدة زملائه على إنقاذ كاميرات ومعدات كانت بحوزتهم عند وقوع الحادث .

عن الحادث علّق السير دايفيد لمجلة “ذا صن” قائلاً: “أعشق المغامرة، لذا أضع في حسباني دوماً المخاطرة المحيطة بكل شيء أقوم به، وفي  مراهقتي سقطت أثناء تسلق أحد الجبال، وبعد فترة من الخوف والتردد، قررت العودة إلى التسلق قاهراً الخوف، وحافظت على هذا المسلك بعد ذلك طيلة عمري، فقهر الخوف هو الوسيلة المثلي لتخطي الصعاب” .

وأضاف: “المشكلة التي طالما واجهتني كانت قلق زوجتي وأبنائي الدائم ، لأن كل أماكن التصوير التي عملت بها كانت غابات موحشة وأدغال وأحراش، وتزايدت مخاوفهم عليّ بعد تقدمي في السن، لكنهم كانوا على يقين دائم بأنني لا أستطيع التوقف عن العمل” .

دايفيد أشار إلى أن “الكوكب المتجمد” أحد أهم أعماله، التي قدم وأنتج خلالها عشرات الوثائقيات المختلفة، وإن كان أبرزها سلسلة “الحياة” ذات الأجزاء التسعة التي بدأها بثلاثية عن مجموعات وبيئات محددة للحيوانات وخاصة الفقاريات .

المفارقة المدهشة في رحلة عطاء السير دايفيد أن طلب التحاقه بهيئة الإذاعة البريطانية عام 1950 قوبل بالرفض، ورغم ذلك لفتت سيرته الذاتية وتخصصه في علم الحيوان والجيولوجيا من كلية كلير بجامعة كمبريدج، انتباه “ماري آدمز” التي كانت آنذاك رئيسة قسم الإذاعة الحية في إدارة التلفزيون البريطاني حديث الإنشاء .

وكان دايفيد مثل باقي أبناء الطبقة الوسطى البريطانية لا يمتلكون تلفازاً، ولم يشاهد سوى برنامج واحد طيلة حياته،  لكنه وافق على عرض آدمز بالالتحاق بدورة تدريبية لمدة 3 أشهر . ولم يتم توظيفه بشكل رسمي في  هيئة الإذاعة إلا عام ،1952 إلا أنه سرعان ما أحبط مجدداً عندما رفضت آدمز ظهوره على الشاشة بحجة أن أسنانه كبيرة جداً، ونقل بعدها ليصبح منتجاً في قسم الإذاعات . وكانت أعماله الأولى بعيدة عن مجال تخصصه العلمي، مثل “صائد الأغاني” وهي سلسلة عن الموسيقا الفلكلورية .

يعتبر برنامج “سلوك الحيوانات” هو البداية الحقيقية للمذيع العالِم، وكانت نقلة نوعية مختلفة تماماً لشكل وطبيعة البرامج الوثائقية رغم تصويرها داخلياً بأحد الاستديوهات بالتعاون مع عالم الطبيعة “جوليان هوكسيلي” من حديقة حيوانات لندن، وقدم خلالها عرضاً مبهراً لطرق الحيوانات المختلفة للتمويه وعروض المغازلة والتزاوج . وخلال التصوير التقى السير دايفيد مع “جاك ليستر” المسؤول عن بيت الزواحف بالحديقة وقتها، واتفقا على إعداد برنامج “بحث حديقة الحيوان” وكانت المصادفة وحدها وراء تقديم دايفيد للبرنامج إذ مرض ليستر فجأة، ومنح السير آتينبارا فرصته الأولى للظهور على الشاشة عام ،1954 التي لم يغادرها حتى الآن .

عندما أسست وحدة التاريخ الطبيعي بهيئة الإذاعة البريطانية عام 1957 في بريستول، ودعي السير دايفيد للانضمام إليها، لم يتمكن من مغادرة عائلته زوجته وطفله حديث الولادة وقتها، وبدلاً من ذلك قرر إنشاء قسم خاص في لندن، وهو وحدة السفر والبعثات، التي وجدت استجابة من إدارة الهيئة، وبالفعل كانت من أنجح الأقسام التي أنشئت، وأتاحت له استكمال إنتاجه وثائقيات أخرى مهمة مثل “حكايا مسافر”، و”سلسلة مغامرات” .

وكانت المفاجأة مطلع الستينات عندما تقدم السير دايفيد باستقالته من ال”بى بي سي” رغم نجاحه اللافت بها، رغبة منه في إكمال دراسته العليا بعلم الإنسانية بكلية لندن للاقتصاد، ثم عاد إلى الهيئة بعد ذلك بفترة قصيرة عندما عرضت عليه تولى مهمة “توجيه البرامج” في قناة “بي بي سي تو” التي كانت حديثة العهد، وتجاهد لجذب اهتمام الجماهير .

وبالفعل نجح السير دايفيد من إعداد حقيبة مميزة من البرامج والوثائقيات، وإنتاجات أخرى منوعة عن الموسيقا والفنون والدراما والرياضة، والآثار والتاريخ الطبيعي والكوميديا، وبحلول عام 1967 كانت القناة بفضل إدارته من أعلى القنوات مشاهدة وخاصة بعد بثها برامجها بالألوان .

وجاءت المفاجأة الثانية مطلع السبعينات عندما استقال السير آتينبارا مجدداً من القناة ليتفرغ لإنتاج برامجه التي كان أهمها سلسلة  إلى الشرق مع آتينبارا التي صورها في إندونيسيا، واشترت حقوق بثها ال”بي بي سي” عام 1973 .

ومع منتصف السبعينات عندما حلم السير دايفيد ببرنامجه “الحياة على الأرض” عاد مجدداً إلى هيئة الإذاعة البريطانية، ليتمكن من تحقيق طموحه، ونظراً لضخامة إنتاج الحلقات تعاونت الهيئة مع قناة “إذاعة ترنر” الأمريكية لتوفير التمويل المناسب وهي القناة نفسها التي تعاقدت معه بعد ذلك على إنتاج سلسة حلقات للأطفال عن الحيوانات بعنوان “حيوانات خرافية” .

شغف علمي مبكر

شغف السير دايفيد منذ صغره بجمع الأحافير والحجارة والعينات المختلفة من الطبيعة، ونشأ ضمن حرم جامعة ليستر، حيث كان والده مديراً لها، شجعه على تنمية مواهبه، وعرض بعض العينات التي جمعها وهو في السابعة من عمره على عالمة الآثار “جاكويتا هووكس” التي أعجبت بشغفه، ومنحته بعد ذلك حجر كهرمان عليه أحافير صغيرة .

وبعد 50 عاماً أصبح ذلك الحجر موضوعاً وثائقياً أنتجه آتينبارا بعنوان “دايفيد آلة زمن الكهرمان” .

ورغم أن “الكوكب المتجمد” هو أحدث أعماله، فإنه سبق وأنتج عام 1993 برنامج “الحياة في المناطق المتجمدة”، وكانت أول سلسلة تلفزيونية عن تاريخ قارة أنتاركتيكا الطبيعي . ومطلع العام قدم السير دايفيد وثائقياً مميزاً بعنوان “مدغشقر” تناول الحياة البرية الفريدة في جزيرة مدغشقر، وآخر بعنوان “آتينبارا والبيضة العملاقة” تحدث فيه عن بيضة طائر عملاق كان قد اكتشفها في أول رحلاته إلى الجزيرة مطلع الستينات.

الخليج الإماراتية في

09/11/2011

 

البعض غير راضٍ عنها رغم استعادة نشاطها

الدراما اللبنانية تتنفس بصعوبة

بيروت - ألبير خوري:  

فجأة شعر المشاهد العربي بأن الدراما اللبنانية عادت إلى المشاركة في الزحام الرمضاني إلى جانب الدراما العربية من الجنسيات الأخرى، وها هي الحركة تزداد في هذه الأيام لتشهد الساحة ظهور سلسلة أعمال منها ما هو معد للعرض في رمضان المقبل، ومنها ما يعرض على التوالي وطوال العام . ورغم التفاؤل الظاهر باحتمال عودة الدراما اللبنانية إلى سابق عهدها، هناك من يرى أنها تتنفس بصعوبة، فما هي أحوالها اليوم، وماذا ينقصها؟ هذا ما يعالجه التحقيق التالي مع أهل الدراما .

تكاد آراء أغلبية العاملين في الدراما اللبنانية، وعلى تنوع اختصاصاتهم، من فضائيات ومنتجين وكتّاب ومخرجين وممثلين، تتفق على أن الدراما المحلية حققت في الثلاث سنوات الماضية قفزة “عددية” لم تشهدها من قبل، حتى أثناء الفترة الذهبية التي سبقت الحرب الأهلية، واحتلت المسلسلات اللبنانية المركز الثاني بعد مصر في النسبة الإنتاجية، خصوصاً أن هذه المسلسلات، من خلال موضوعاتها الاجتماعية والتاريخية، سواء التراجيدية أو الكوميدية، شكلت مشهدية جميلة لاقت نجاحات كبرى لدى الجمهور العربي .

الآراء نفسها تتعارض لجهة النوعية ومضمون هذه الدراما، بين من يرى أنها على تماس كبير مع المجتمع اللبناني الأكثر انفتاحاً على الغرب، وبين من يصفها ب”مسلسلات هجينة” أو دراما مدبلجة بطريقة معكوسة، بحيث بات المشاهد اللبناني خصوصاً والعربي عموماً، يرى أحداثاً تركية أو أمريكية لاتينية قد ركّبت بحذق ومهارة على حوارات لبنانية والمجتمع اللبناني براء منها . هنا تنكشف فذلكة الدراما اللبنانية الناجحة عددياً، الفاشلة موضوعياً، ما يتطلب إعادة تقويم هذه الدراما وفق منهجية تلبي حاجات المحطات اللبنانية الخمس “إم تي في، إل بي سي، الجديد، المستقبل، المنار”، الإنتاجية، وكذلك تطلعات الجمهور المشاهد، إلى دراما تعكس واقعه المعيش وما يصاحبه من قضايا وأزمات وتحديات . . قد يكون الكلام صحيحاً أن المجتمعات النامية والفقيرة تعاني الأزمات نفسها أو ما يطلق عليه “عولمة الأزمة”، لكن ذلك لا يلغي خصوصية المجتمعات بالكامل، ولا تاريخها وأحلامها وتطلعاتها أيضاً، وإلا لبات الحديث عن “عولمة الدراما” واقعاً لا شك فيه تشوبه اختلافات ثانوية لغوية وتصويرية ومواقعية .

في هذا السياق رأى الكاتب الدرامي العتيق أنطوان غندور الذي كان على رأس كتاب الدراما اللبنانية وأعطاها بعض أجمل مشهدياتها التي سبقت الحرب اللبنانية وخلالها، “أن المسلسلات اللبنانية بطابعها الحديث، لا تمتلك من لبنانيتها إلاّ لغتها العامية والعاملين فيها، بينما المطلوب أن تتماهى مع قضايا جمهورها فلا تتغرب أو تصبح نسخة طبق الأصل من مسلسلات تركية وأمريكية لاتينية مدبلجة . والتباهي بقول بعض الصناع إن الدراما كما الموسيقا لغة عالمية، هو من قبيل العجز الفاضح لدى أكثرية الكتّاب الجدد، ولا أقول كلهم، في مقاربة الأزمات الملحة والضاغطة على اللبنانيين، حيناً بعذر عدم المساس بالتركيبة الاجتماعية والرهانات السياسية القائمة، وأحياناً لأن شركات الإنتاج والمحطات “عايزة كده”، على طريقة المصريين القديمة “الجمهور عايز كده”” .

غندور كشف أن الدراما اللبنانية انقلبت في غالبيتها رأساً على عقب منذ حوالى خمس سنوات، وتقاعس تلفزيون لبنان الرسمي عن الإنتاج منذ سنوات طويلة . وقال “غني عن القول إن هذه الدراما قد تأثرت منذ سيطرة الإنتاج الخاص بالدراما المستعارة أو المدبلجة، والدليل على ذلك أن أكثر ما نشاهده قد دخل عليه الكثير من الفذلكات الغربية، لساناً وسلوكيات وتطورات . . والتأليف في غالبه تقليد للمسلسلات الغربية، أو مرتبط في غالبه بأساليب الغرب وبتقنياته، وفق قاعدة ادخال التوافق بشكل أو بآخر على المشهدية التلفزيونية، علماً بأن التجديد الحقيقي ينطلق من الذات، وليس بالتأكيد نسخاً أو تقليداً أو اقتباساً” .

وينتهي غندور ليؤكد أن ما تعانيه الدراما اللبنانية في ظرفها الراهن ناتج من خطأ في التفكير، “هناك مبالغة في تقدير الدراما الغربية بذريعة التقدم التكنولوجي والعلمي في الغرب، والثبات على هذا الاعتقاد سيطمس حتماً معالم الدراما اللبنانية . والمطلوب هو التطوير انطلاقاً من الأصالة دون اللجوء إلى إدخال عناصر دراما غربية غريبة عن المجتمع اللبناني وعن روحه، هذا هو الطريق الصحيح لإثراء المشهدية اللبنانية خصوصاً والعربية عموماً” .

كلوديا مرشليان صاحبة الرقم القياسي في الكتابة التلفزيونية اللبنانية خلال السنوات الخمس الأخيرة، تناقض تماماً ما تحدث به غندور، وترى أنها في كل كتاباتها تقدم صورة واقعية عن المجتمع اللبناني الحديث، وحتى في كتاباتها التاريخية، تحمّل حروفها كل ما يجعلها على صلة مباشرة، سلباً أم إيجاباً بالواقع اللبناني .

ورداً على ما بات يتردد أخيراً على ألسنة العديد من المشاهدين حول تماهي كلوديا بالمسلسلات الغربية وتطبيعها على الطريقة اللبنانية رأت صاحبة “ما يشبه قصة حب” الذي تعرضه حالياً المؤسسة اللبنانية للإرسال، أن الكتابة الدرامية “مسؤولية والتزام”، وأضافت: “لم أكتب يوماً حرفاً مضيعة للوقت أو للتسلية، إنما لأُعبّر حقيقة عن قضية إنسانية على تماس مباشر مع المشاهدين اللبنانيين والعرب . وبهذا الاهتمام يمكن القول إن الدراما اللبنانية على الطريق الصحيح، لأن المشاهد بات يثق بها وبالممثل اللبناني، ويسعدني أن الأعمال اللبنانية خلال رمضان الماضي احتلت موقعاً متقدماً في المتابعة والمشاهدة على الشاشات العربية، ولتثبيت هذا النجاح أكثر، أدعو المعنيين والمنتجين إلى الغوص في الدراما الملتصقة ببيئتنا وواقعنا وتاريخنا حتى نتخلص نهائياً مما يقال إن هذه الدراما تتقمص قصصاً أجنبية لا تشبهنا” . وتمنت على التلفزيون والمحطات “تأمين ميزانيات جيدة للمنتجين الذين عليهم بدورهم ألا يسجنوا الكاتب في دوامة الموضوعات نفسها، بل على العكس، أن يطلقوا العنان لخياله” .

المنتج إيلي معلوف يكاد يشكّل وحده ثلث الإنتاج الدرامي اللبناني في السنوات الخمس الأخيرة، ويقول “هذا الإنتاج يبقى مقصراً كثيراً قياساً على خمس محطات وفضائيات لبنانية لا تتوقف عن البث على امتداد الساعة، وما يعني أن ساعات العرض تتعدى بأشواط نسبة الإنتاج المحلي” .

إيلي معلوف الذي يصور حالياً مسلسل “الأرملة والشيطان”، يرى أن من بين كل الفنون الرائجة، يبدو المسلسل اللبناني الأكثر تعرضاً للنقد السلبي نظراً للمحنة التي أصابته خلال ربع القرن الأخير، وهو إن تمكن من استعادة بعض مواقعه التي فقدها أثناء الحرب الأهلية، فذلك بفضل جهود العاملين في الدراما اللبنانية، على تنوع اختصاصاتهم وتضحياتهم الكثيرة . يضاف إلى ذلك النقص الكبير في عدد الكتّاب التلفزيونيين والشح الأكبر في الميزانيات التي باتت معقولة، لكنها غير جديرة ولا كافية لقيام ما يسمى صناعة الدراما التلفزيونية في لبنان .

ويشير معلوف إلى أن النقد السلبي منه والإيجابي للمسلسل اللبناني، يعني أن هذا المسلسل فرض وجوده وبات يشكّل في الكمية والنوعية منافسة قوية للمسلسلات السورية والمصرية والخليجية، ورأى أن اتهام الدراما اللبنانية بالجرأة ومقاربة الموضوعات الساخنة، “أمر يحسب لها وليس عليها” . وأضاف : “لم يعد جائزاً بعد اليوم أن نصور المجتمع اللبناني مثالياً وطوباوياً . المواطن اللبناني منفتح على كل المجتمعات، ويعاني كباقي الناس في الدول المتطورة والنامية ضغوطاً حياتية قاسية جداً، ويتعرض لتحولات جذرية يفترض بالدراما اللبنانية متابعتها عن قرب، دون أن تعاني عقدة نقص غربية في ظل ثورة الاتصالات التي عولمت العالم على كل الأصعدة والمستويات” .

وبلغة الأرقام، يفيد إيلي أن سبع محطات تلفزيونية لبنانية لا تتوقف عن البث بحاجة إلى ما يقارب 210 ساعات درامية في الشهر الواحد، أي مسلسل واحد لكل محطة، فإذا تمكن من إنتاج عشر مسلسلات في السنة الواحدة، نكون قاربنا الممكن، وهذا ما نحاول جاهدين تحقيقه على أمل تحقيق المزيد في السنوات المقبلة، وما يمكن من دخول الصناعة الدرامية التلفزيونية التنافسية مع المسلسلات العربية . يجوز القول إن الأحداث التي تشهدها الساحات العربية خصوصاً في سوريا ومصر وفّرت فرصة سانحة للدراما اللبنانية لفرض وجودها على المشاهد العربي، لكننا مازلنا بحاجة إلى جهود كبيرة لنحقق الممكن من الساعات التلفزيونية المطلوبة .

مطانيوس أبو حاتم صاحب شركة “رؤى برودكشن” التي بدأت أعمالها الإنتاجية عام 2000 ومن حينها وهي تخترق المحطات اللبنانية وخصوصاً قناة “المستقبل” التي كلفتها إنتاج 150 ساعة تلفزيونية، لفت إلى “أن البداية الفعلية لأي عمل تنطلق مع العثور على النص المناسب”، وقال “نشكو في لبنان من ندرة الكتّاب المتمكنين القادرين على تقديم نص درامي يستوفي الشروط من حيث القصة والحبكة والتشويق، لذا نجد الإنتاج الدرامي اللبناني يسير بوتيرة بطيئة نسبياً” . وأكد أبو حاتم أن الإنتاج الدرامي تحول من مجرد فن إلى صناعة كبيرة وتجارة تتعدى الحدود المحلية، وبالتالي يحتاج إلى مواد أولية وخطة تسويق ناجحة، إنما، وللأسف، تتحكم السياسة في شراء ما ينتج من مسلسلات، لأن معظم المحطات التلفزيونية العربية تقوم على خدمة الإعلام والإعلان السياسي .

وانتهى أبو حاتم الذي يراهن على نجاح إنتاجه الأخير “وأشرقت الشمس” محلياً وعربياً إلى الطلب بتنفيذ القانون الخاص بتنظيم عمل وسائل الإعلام المرئي والمسموع الذي يفرض على كل محطة تلفزيونية تخصيص حيز من ساعات بثها اليومية للإنتاج المحلي،

لافتاً في الوقت نفسه إلى أن ثمة مشكلة تعترض المحطات التلفزيونية اللبنانية تتمثل في التوزيع المتفاوت للإعلانات، بحيث نجد أن محطة أو اثنين تستحوذان على حصة الأسد من الإعلانات ويبقى الفتات للمحطات الأخرى، ما يؤثر بالتالي في سعر بيع الدراما، هذا إن أمكن تسويقها . وأضاف: رغم ذلك، لا أنفي تفاؤلي بمستقبل الدراما اللبنانية، وذلك استناداً إلى خبرتي الطويلة في هذا المجال، وإلى إنتاج أعمال ناجحة خلال السنتين الأخيرتين، نحن نبني آمالاً على هذا التطور ونأمل أن يكون ذلك حافزاً لإقناع الجهات المختصة في لبنان بمد يد العون، وتقديم التسهيلات المطلوبة لكي تستطيع شركات الإنتاج المحلية العمل دون الاصطدام بعراقيل وعوائق تؤخر أجندتها الإنتاجية وتكبدها مصاريف إضافية .

المخرج سمير حبشي الذي دخل الساحة الدرامية من باب السينما لاحظ “أن الدراما اللبنانية خلال السنوات الأخيرة استحقت مكانها في البرمجة اليومية للمحطات اللبنانية، لكن هذا الموقع لا يزال دون طموح الشركات المنتجة التي تتطلع الى الانطلاق عربياً، وحجز مكانها المتقدم أمام المنافسة المحتدمة مع الإنتاج السوري والمصري والخليجي” .

أضاف حبشي: الدراما اللبنانية المعاصرة بدأت تطرح موضوعات جريئة تتلاءم مع الواقع اللبناني المعيش، وكل ما يشاع عن أن هذه الدراما تخطت الخطوط الحمراء بما يتنافى مع التقاليد اللبنانية والعربية، كلام في غير محله . وإذا كان لنا أن نأخذ بمثل هذه الاتهامات لما استطعنا تحقيق خطوة واحدة في اتجاه الدراما بشروطها التقنية والفنية المطلوبة . مشيراً إلى ما قدمته هذه الدراما منذ بدايات النهضة التلفزيونية وكانت تحتل الموقع الثاني بعد مصر في نسبة الإنتاج والمشاهدة . لكن سنوات الحرب أصابت الدراما اللبنانية كما الصناعات الإنتاجية الأخرى بضربة صاعقة، لكنها تحاول منذ سنوات أن تقدم الأفضل في رؤى فنية جديدة تتوافق مع متطلبات جيل الشباب الذي يشكل أكبر نسبة من المشاهدين .

الممثل مجدي مشموشي المشغول بتصوير أكثر من عمل في وقت واحد: “اسمها لا”، “الأرملة والشيطان”، “أجيال”، “الغالبون 2”، عبّر عن أمله الكبير بأن يستمر إنتاج الدراما اللبنانية تصاعدياً خلال السنتين المقبلتين، ودائماً من خلال نصوص قادرة على جذب المشاهد اللبناني والعربي على السواء، ولفت إلى أن صناع الدراما اللبنانية بدأوا منذ سنتين على الأقل التقاط سر الجذب في الدرامات العالمية وإعادة توظيفه في أعمالهم، مستعينين بمخرجين شباب والتصوير بكاميرا واحدة واعتماد البطولات الجماعية، إضافة إلى تقديم موضوعات تتسم بالجرأة . ويترافق ذلك مع تطوير تقني لمعدات التصوير واحتياجاته، خصوصاً على صعيد الكاميرات أو ما يعرف بتقنيات السينما الالكترونية .

الممثلة منى كريم تفتقد أشياء كثيرة في الدراما اللبنانية ومنها تقول: “أن يقوى الإنتاج المحلي وأن تعطى المسلسلات اللبنانية حقها المادي والمعنوي” وتتساءل: “ما الذي ينقصنا لإعادة المجد للدراما اللبنانية؟ لدينا الطاقات التمثيلية والفنية المميزة، والكتاب والمخرجون أيضاً” . وتمنت على المسؤولين في القطاعين العام والخاص أن يكون الإنتاج أكثر سخاء لإنتاج قصص تعبر عن هموم لبنانية وعربية مشتركة، والتخفيف من ثلث الموضوعات التي يصفونها ب”الجريئة” وهي لا تمت الى واقعنا بصلة، وما نراه على الشاشة اليوم عاجز في أغلبيته عن اقناع المشاهدين .

مسلسلات قيد التحضير

بعد النجاح اللافت الذي حققه مسلسلا “الغالبون” و”باب ادريس” في رمضان الماضي، تستعد الشركات الإنتاجية لتصوير جزء ثانٍ من المسلسلين المذكورين . كذلك بدأت شركة “مروى غروب” لتصوير الجزء الثاني من “اجيال”، “ولولا الحب” في عشرين حلقة، إضافة إلى مسلسل “أوبيرج” من تأليف الفنانة هيام أبو شديد . وفي وقت غابت شركة “فونيكس بيكتشر إنترناشيونال” عن المنافسة الرمضانية للعام الماضي، تعود بسلسلة أعمال أولها “الأرملة والشيطان”، “عندما يبكي التراب”، وفي جعبة الشركة سيناريوهات أخرى يرتقب تنفيذها منها “رصيف الغرباء”، “آية”، “شوارع الذل”، “ثلاث ستات برات البيت”، “ياسمينا” . ويستعد المخرج وليد فخر الدين لتصوير مسلسل “استشارة” لمصلحة شركة “رؤى للإنتاج”.

المخرج جو فاضل انتهى من تصوير مسلسل “من كل قلبي” . كما تنتظر شركة “لُِْكك” ايجاد صيغة مناسبة لحل مأزق مسلسل “هروب” للمخرج ميلاد أبي رعد، ولديها مشروع آخر بعنوان “لارا” رشحت لبطولته مادلين مطر . المخرج فؤاد سليمان بدأ تصوير مسلسل “بلا ذاكرة” لحساب شركة “أون لاين برودكشن” التي تستعد لتصوير “غزل البنات” و”كيندا”، وتستعد المخرجة ليليان بستاني للبدء بتصوير مسلسل “جني العمر” لمصلحة شركة “افكار برودكشن”، بينما يستمر مصير مسلسل “لقاء” معلقاً بانتظار حلول تنفيذه من مأزقه الإنتاجي.

الخليج الإماراتية في

09/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)