حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بعد عشرين عاماً على انطلاقه:

'طاش ما طاش': كوميديا حملت راية التنوير.. فاصطدمت بمجتمع لا يثق بمبدعيه

محمد منصور

قرأت، مقالا في جريدة (الحياة) بعنوان (عقدة اسمها الخليج) للكاتب السعودي عبد الله الناصر، يتحدث فيه عن الصورة النمطية للثقافة الخليجية في أذهان الأشقاء العرب من أهل مصر وبلاد الشام والمغرب العربي، هذه الصورة التي رأى الكاتب، أنها تنطوي على كثير من الاستعلاء والإجحاف بحق الإبداع والمبدعين في الخليج العربي عموما.

حيث قال الكاتب: (كل مشتغلي الأدب وناقليه ومتذوقيه في هذه القطاعات العربية العريضة، حريصون كل الحرص على مصادرة أي فكرة تقول بأن أحدا - أي أحد- في دول الخليج يرسم العالم بخطوط فكره) وقد اعتبر الكاتب في نهاية مقاله أن المشكلة تكمن في أنهم، أي مثقفي الخليج (يركضون خلف السوري والفلسطيني والعراقي والمصري والمغربي ليحظوا بشهادة اعتراف وورقة تزكية).

أثار هذا المقال اهتمامي، لأنه يناقش مشكلة تمس روح الثقافة العربية عموما، تلك الثقافة التي ترتهن للصور النمطية والأفكار المسبقة أحيانا، فتظلم نتاجاً إبداعياً لرافد مهم وأصيل من روافد نهرها الكبير.. لكن المقال أعادني بالمقابل، إلى مشكلة تتصل بالعمل السعودي الكوميدي (طاش ما طاش) كنت دائما أحد أطرافها، خلال إقامتي المتقطعة في بعض مدن السعودية.. فقد اكتشفت أن ما يتحدث عنه الكاتب من ظاهرة الاستعلاء على ثقافة الخليج.. أبناء الخليج هم المسؤولون عن تكرسيها.. وسأشرح ذلك من خلال قصتي مع (طاش ما طاش).

كوميديا بنكهة بيئية

كان مسلسل (طاش ما طاش) الذي بثت قناة (إم. بي. سي) في دورة رمضان من العام الفائت الجزء السابع عشر منه، كان هذا العمل حاضرا بقوة منذ سنوات على صفحات المجلات الخليجية، التي كانت تتابع جديده كل عام، وما يحدث في كواليسه، وما يطرأ من صراعات وتغييرات على صناعة وتطوير أجزائه المتعاقبة.. ولم أكن رغم اختصاصي في النقد الفني، من المهتمين بهذا العمل، الذي كنت أنظر إليه باعتباره عملا سعوديا بحتاً، يناقش مشكلات محلية لا تعنيني كثيرا كمشاهد سوري، متخم بمشكلات المسلسلات السورية ومضامينها ورؤاها التاريخية والمعاصرة.. إلى أن قادني فضولي لمتابعة بعض حلقات هذا العمل في السنوات الثلاث الأخيرة.

بدأ الفضول باتجاه اكتشاف مزاج النكتة في الخليج، لأنني اعتدت أن أرى في المسلسلات الخليجية دائما الآلام والنواح.. والمأساة الثلاثية الخالدة: إدمان المخدرات- عقوق الأبناء- قسوة وظلم الأزواج... وقلت في نفسي: لقد عرفت ما الذي يبكي إخواننا في الخليج... فما الذي يضحكهم يا ترى؟

قدم لي (طاش ما طاش) جوابا عمليا على هذا السؤال، فوجدت في هذا العمل، نموذجا حقيقيا، للكوميديا الانتقادية البيئية، أي تلك التي تستلهم مادتها، وتلتقط مفارقاتها وشخوصها، انطلاقا من الواقع البيئي المحلي بكل ما يختزنه من عادات وتقاليد متوارثة، أو ظواهر طارئة ومستحدثة.. وقد كان العمل مفاجأة لي بالمعنى الفني للكلمة، حيث تابعت تجربة فنية، ليست جديدة على الكوميديا العربية، لا في شكلها ولا في مضمونها، لكنها جديدة في مجالها البيئي، وفي توجهاتها الاجتماعية التي تقدم صورة انتقادية لمجتمع سعودي وخليجي أحيانا، بات قادرا على أن يعبر عن ذاته، وأن يعالج مشكلاته عن طريق أصعب الفنون الدرامية على الإطلاق: الكوميديا

صعوبة الكوميديا أنها لا تقبل بأنصاف الحلول، ولا بأنصاف المواهب.. أكثر من ذلك، الكوميديا تحتاج لنجوم، فهي مثل ناد لأثرياء الطبقة الأرستقراطية: لا يقبل بدخول إلا أصحاب الذوات.

وهكذا بدأ عبد الله السدحان وناصر القصبي باستصلاح أرض الكوميديا التلفزيونية الصحراوية القاحلة في الخليج... في ظروف مناخية وفنية صعبة، واستطاعوا أن ينطلقوا من نقطة الصفر... وأن يبدأوا مجتهدين مع مشروع تلفزيوني صغير، يبحث له عن موطئ قدم في سوق الإنتاج والأهم في سوق التوزيع والانتشار.. تبنى المشروع التلفزيون السعودي الذي قدم جزأه الأول عام 1992 وكان على السدحان والقصبي أن يجربا في الكتابة، مثلما جربا في البحث عن المخرج الذي يلبي طموحاتهما، انطلقا مع عامر الحمود بداية، ثم مع المخرج عبد الخالق الغانم تاليا، وكان عملهما يتطور في الأداء، مثلما تتطور لغته الفنية والإنتاجية في مختلف الجوانب التي يتطلبها العمل التلفزيوني، حتى غدا (عملا مشاهَداً) أي عملا يستحق أن يشاهد من خارج محيطه، وأن يغدو وجبة كوميدية رمضانية عربية... وليس سعودية أو خليجية فقط.

وقد عبرت عن رأيي هذا تجاه العمل، في أكثر من مجلس جمعني بمثقفين أو مخرجين أو عاملين في الحقل الفني والإعلامي السعودي.. فوجدت استهجانا من قبل بعضهم، وعدم تصديق من قبل بعضهم الآخر.. وقد قال لي مرة أحد المخرجين الذين يتمتعون بثقافة جيدة، كما أوحت بذلك مكتبته الضخمة التي كانت تحتل جزءا كبيرا من منزله، لا يا أخي... غير معقول... أنت تجاملنا. ومنهم من قال لي: إنك تبالغ، ومنهم من اعتبر أنني أرد حسن الضيافة، قبل أن يتأكد تالياً أنني لست من هذا النوع.

وقد أسفت بيني وبين نفسي لأن الجمهور الأساسي لهذا العمل، لا يقدر قيمته، ولا يضعه في موقعه اللائق، ليس محليا فقط.. بل على المستوى العربي، لأن سوية (طاش ما طاش) مقارنة بالكوميديا التلفزيونية العربية، سوية جيدة... وأنا أعني هنا الكوميديا التلفزيونية تحديدا.. وهو برأيي الشخصي الذي أعلنه مكتوبا، بات أفضل من سوية العمل الكوميدي السوري الرائد (مرايا) للفنان ياسر العظمة، الذي تراجع في السنوات الأخيرة رغم رصيده الكبير، بينما تقدم (طاش ما طاش) رغم أنه بدأ من الصفر.

ثنائي بلا قوالب جاهزة

ثمة الكثير مما يقال فنياً، وبلا مجاملة عن المزايا التقنية والفنية في (طاش ما طاش) وخصوصا فيما يتعلق بشكل الثنائي الكوميدي الذي يقدمه،

فقد انطلق عبد الله السدحان وناصر القصبي كثنائي كوميدي، وشخصيا ومن خلال دراستي لتاريخ الكوميديا العربية، فأنا متحمس لفكرة الثنائي الكوميدي، لأنها تشكل الحل الأمثل لأمراض (كوميديا النجم الواحد) حيث الحب المفرط في الظهور، والرغبة بالاستئثار بكل شيء وتجيير كل مقولات العمل وأفكاره وطروحاته الجميلة، لخدمة نجم الكوميديا الذي يضحك ويعظ ويعلّم، ويسوق العمل باسمه، بينما يتحول كل الممثلين من حوله، وفي نظره ونظر الجهة المنتجة إلى مجرد (سنيدة) أو (كومبارس متكلم) يدور في فلك البطولة المطلقة.. وهو المرض الذي بتنا نراه جلياً في الأجزاء الأخيرة من سلسلة (مرايا) مع كل أسف.

(طاش ما طاش) يتألق بحضور السدحان والقصبي، ومن حولهما كوكبة من الفنانين أصحاب الحضور الكوميدي والخبرة الفنية أمثال يوسف الجراح- بشير الغنيم- خالد سامي- عبد الإله السناني- محمد بخش، وسواهم.

والواقع فالثنائي الكوميدي.. ولعل المثال الرائد له في الوطن العربي هو الثنائي الأشهر (دريد ونهاد) حين كان دريد لحام والراحل نهاد قلعي يشكلان درة العقد الفريد في الكوميديا السورية، التي خرجت تلفزيونيا ومسرحيا وأحيانا سينمائيا العديد من النجوم اللامعين في سورية منذ ستينيات القرن العشرين.. أقول إن فكرة الثنائي الكوميدي فيها الكثير من شروط وحيوية التنافس في ملعب الأداء الكوميدي، فهي تحفز كل طرف على أن يعطي أفضل ما عنده، في ظل وجود ند ومنافس قوي، وهي تجعل كل طرف يقبل بمن حوله في العمل، باعتبارهم ممثلين مشاركين، وليسوا (كومبارس) لأن من يعمل ضمن مبدأ الثنائي، لا شك سيقبل بمبدأ اللعبة الجماعية، التي هي في النهاية مكسب للعمل الفني، وصمام أمان ضد أمراض النجومية الكوميدية التي تجرفها نوازع الأنانية وحب الاستئثار.

وضمن هذا السياق فلا شك أن عبد الله السدحان وناصر القصبي، ثنائي كوميدي ناجح بالتأكيد.. واللافت في شراكتهما الفنية، أنها جاءت خارج القوالب الفنية المتعارف عليها للثنائي الكوميدي، الذي يلعب غالبا على مفارقات شكلية (السمين والنحيف) أو مفارقات سلوكية (الطيب والشرير) لكن السدحان والقصبي تحررا من هذه القوالب، وجعلا الشراكة الثنائية تقوم على مبدأ تقاسم البطولة، وأداء الشخصيات المختلفة، فهما قد يظهران كصديقين أو زميلي عمل، أو قريبين، أو حتى أب وابن أحيانا... والمهم في هذا كله إيصال الأفكار، وأداء الشخصيات المركبة أو البسيطة التي تتطلبها هذه الأفكار.

ورغم عدم ارتباطهما بشراكة نمطية لها معادلة ثابتة كما أسلفنا، فقد ترسخت في أذهان المشاهدين فكرة وجودهما كثنائي، مما عزز نجوميتهما معا.. وأنا أرى من خلال توزيع الأدوار أن هناك قدرا من التوازن في مساحة كل منهما، وقد يغيب هذا التوازن أحيانا، لضرورات فنية مرة لصالح هذا وأخرى لصالح ذاك، لكن في كل الأحوال، يبقى كلاهما حاضراً بقوة على خارطة العمل، كما أن هناك قدرا من التنافس الذي أراه مشروعا، بل هو من طبيعة العمل الكوميدي الذي يخلق حالة تفاعل حسي مع الموضوع، مما يتيح ارتجالات واجتهادات تحاول انتزاع مساحة أو حضور أكبر لكل منهما.

روح انتقادية تثير الزوابع

في كل مجتمع إنساني ثمة مشاكل وأمراض وعيوب اجتماعية.. وهذه قاعدة لا يمكن أن نستثني منها مجتمعا في الشرق أو في الغرب، وقدرة المجتمعات على التطور، لا تكمن فقط في الثروات ولا في التاريخ المجيد أو الجغرافيا المتميزة، بل تكمن في قدرة هذا المجتمع على رؤية أخطائه لأن تطور عقل الإنسان وثقافته، أهم بما لا يقاس من تطور شبكات الطرق ومعمار المدن، وأساليب التجارة وحركة الصناعة وبناء المولات والأبراج ذات الارتفاعات القياسية.. ولا شك أن مهمة تبصير المجتمعات بعيوبها مهمة صعبة، لأن الإنسان بطبعه يطرب للمديح، ويعكر صفوه النقد، بناءً كان أم هداما، وفي مجتمعاتنا العربية تحديدا، قد نفتح آذاننا للنقد إن جاء من الكتاب الكبار، أو نجوم المجتمع اللامعين... فالنجومية شرط لإيصال الفكرة أولا، و(طاش ما طاش) استطاع اليوم أن يرسخ نجوما لامعين، يرصدون الأخطاء الاجتماعية والإنسانية الصغيرة والكبيرة أحيانا، ويقدمونها في قالب كوميدي فكه، قريب من القلب، ويعرف مشكلات البيئة الأصيلة والطارئة.. وأبطال العمل لم يصبحوا نجوما إلا بفضل إصرارهم على هذه الروح الانتقادية الخلاقة، وهذا برأيي مكسب لكل مجتمع.. فإذا كنا في سورية اليوم نفتخر بتراث نهاد قلعي ودريد لحام ومحمد الماغوط وياسر العظمة من المسرحيات والأفلام والأعمال التلفزيونية الانتقادية، التي رسخت فكرة أن التطور يحتاج لمن يدعو للتغيير، ولمن يقاوم العادات السيئة التي قد تصيب أي سلوك اجتماعي في أي فترة من الفترات، فإن من حق السعوديين أن يفخروا بمن يقوم بهذه المهمة الصعبة. صحيح أن أصحاب (طاش ما طاش) لا يملكون التاريخ العريق للأسماء التي ذكرتها بعد، لكن تجربتهم بدأت بنفس البداية، وسارت على نفس النهج، وهم رغم ما يتعرضون له من رفض أو انتقاد، ومن حملات مناوئة وصلت حد التكفير.. يقومون بدور تنويري مهم، قد لا يكون كله صوابا في الرؤية والأداء، وقد يكون في بعضه شطط ومبالغة تحتاج لإعادة نظر، لكنه بالتأكيد يستحق الحوار والنقاش.. وهذا الحوار هو البوابة الحقيقية لأي دور إصلاحي يقوم به الفن الجاد.

لقد تطرق (طاش ما طاش) عبر أجزائه السبعة عشر الماضية، لمشاكل كانت تعتبر من المحظورات... لعل أبرزها قضية الدين ودوره في المجتمع، وأهميته في تقويم سلوك الجماعات والأفراد.. موجهاً في سياق ذلك سهام النقد لبعض الممارسات التي ارتكبها بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية. لكن هذه الانتقادات التي أثارت الزوابع وقوبلت بالرفض، عرضت الكثير من الحلقات للمنع منذ (طاش ما طاش -11)، ووصلت الحملة ذروتها مع حلقة (صالون الهيئة) في (طاش -14) التي منعت من البث، ثم تسربت وانتشرت انتشار النار في الهشيم... وربما بالغ صناع المسلسل بسبب الرغبة في الانسياق نحو الكوميديا في تضخيم بعض الممارسات الخاطئة، أو تصوير الحالات الخاصة بأسلوب لا يخلو من تعميم، لكن في كل الأحوال كان يجب أن يقوم حوار جدي حول ما يطرح مع أصحاب العلاقة أنفسهم كي لا تذهب صرخات (طاش) الانتقادية في واد بدل ان يشتم صناع المسلسل على منابر المساجد، ويكفرون، ويضطر بعضهم إلى العيش خارج وطنه، لأن هناك من لا يحتمل أن يرى صورة المجتمع الحقيقية، ولا أن يتحاور للوصول إلى الحقيقة.

الشكل الفني وتجارب المخرجين

ميزة (طاش ما طاش) أنه حاول أن يطور لغته الفنية في الكتابة والإخراج والأداء... قدم صيغاً متنوعة للوحة الكوميدية، فاعتمد الحدث الواقعي المعاصر، واستخدم أسلوب الحكاية التراثية، وأحيانا لجأ إلى الترميز السياسي على بساطته في مقاربة بعض القضايا العربية، كقضية فلسطين مثلا.. بل ولجأ ذات مرة إلى الفانتازيا التاريخية التي قدمتها الدراما السورية، فاستلهم شكلها الذي يبدو صالحا للكوميديا فعلا، لأنه مفبرك ومضحك.. وهكذا كان البحث عن التنويع وإغناء شكل الكتابة الكوميدية واضحا في هذا العمل، وشرف المحاولة يحسب له لا عليه، بغض النظر إن كان الترميز هنا موفقا أم لا أو أن الحكاية التراثية قدمت بشكل جذاب أو لا.

والأمر الآخر الذي أراه جديرا بالاهتمام في تجربة (طاش ما طاش) هي اللغة الإخراجية الكوميدية التي تطورت في الأجزاء تطورا كبيرا لدى مخرج السلسلة عبد الخالق الغانم.. الذي يقدم حلولا كوميدية لماحة، ومتطورة تقنياً، وغالبا ما تأتي أمينة لروح العمل ونوعه وبيئته.. فالرؤية الكوميدية تشكل أساس البحث عن الحل الإخراجي، سواء في اختيار زاوية الكاميرا، أو رسم الحركة أو إدارة الممثل، أو توظيف الإكسسوار، ناهيك عن المؤثرات الصوتية والموسيقى.. وهو أمر ليس متوفرا دائما في كثير من الأعمال الكوميدية العربية، التي تعاني من مشكلة غياب الإخراج الكوميدي.. وتحول الإخراج إلى عمل روتيني لا يراعي خصوصية النوع، ومتطلبات عناصر الإضحاك بصريا وحسياً . إلا أن غياب عبد الخالق الغانم عن السلسلة التي أخرج حلقاتها على مدى ثلاثة عشر عاماً منذ الجزء الثالث وحتى الخامس عشر، ترك فراغاً على بعض أجزائها التالية... وقد حاول السدحان والقصبي تغيير اسم العمل فقدموا عملاً كوميدياً بديلاً باسم (كلنا عيال قرية) أخرجه موفق الصلاح، وكان غاية في الضعف الفني سواء لجهة ضعف حبكة النص، أو ضعف الأداء الإخراجي على وجه الخصوص، إذ غاب العمق في تشكيل الكادر، وسيطرة اللقطات العامة، وانعدم الاهتمام بإبراز التفاصيل التي تشكل الحالة الكوميدية... وفي المحصلة بدا السدحان والقصبي يصرفان من رصيد (طاش ما طاش) في هذا العمل الذي يمكن ان نسقطه بسهولة من سجل هذه السلسلة الكوميدية البارزة.

في العام التالي عاد السدحان والقصبي لتقديم (طاش ما طاش- 16) وحاولا أن يستعينا بمخرج يعوضهما عما لقياه من مخرج (كلنا عيال قرية) فاستعانا بالمخرج السوري هشام شربتجي... أحد أساتذة الكوميديا في الدراما السورية، والمخرج الذي صنع أمجاد سلسلة (مرايا) في البداية مع الفنان ياسر العظمة. عمل هشام شربتجي بحيوية لافتة، وقدم حلولا إخراجية معقولة، إلا أن غربته عن البيئة ألقت بظلالها على فهم روح النكتة وإيصالها، ولهذا بدا في المحصلة أقل نجاحا مما كان متوقعاً. وجاء الأردني محمد العايش لإخراج (طاش ما طاش -17) في الوقت الذي عانت فيه السلسلة من تبدل وإخفاقات المخرجين، فكان ما قدمه هو محاولة لملامسة مستوى النجاح، من دون الوقوع في شرك الإخفاقات السابقة.

مشكلات البحث عن النص

طبعا (طاش ما طاش) في النهاية، ليس عملا كاملاً مئة بالمئة... وهو مثل أي عمل كوميدي عربي، يعاني أكثر ما يعاني من مشكلة النص الكوميدي، لذلك نجد أن سوية الحلقات تتفاوت بتفاوت سوية النص المكتوب، والمعالجة الكوميدية التي يقدمها السيناريو.. وهو عمل يضطر أحيانا إلى إعادة تقديم بعض الأفكار التي تنتقد ظواهر اجتماعية معينة، أملا في أن يحقق معالجة جديدة لتلك الظواهر التي سبق أن تطرق لها، الأمر الذي يسميه بعضهم (اجترارا وإفلاسا) لكن ذلك يحدث في كثير من الأعمال الكوميدية الأخرى، وهو قد ينطلق من أزمة البحث عن الفكرة، لكنه يحمل أيضا حالة الإلحاح على نقد ظاهرة اجتماعية يرى صناع العمل أنها تستحق المتابعة.

و(طاش ما طاش) قد يلجأ للتهريج في عرض المشكلة، عندما تخون الممثلين والمخرج المعالجة الجيدة لنصوص بعض الحلقات، وهو قد يلجأ إلى نوع من المبالغة الكوميدية التي تتجاوز الصورة الواقعية من أجل زيادة جرعة الإضحاك، الأمر الذي يراه بعضهم (تشهيراً)، وهذا جزء من الخلاف المشروع في الرأي والرؤية... لكن كل هذه المشكلات هي مشكلات أي عمل كوميدي من هذا النوع، وهي قابلة للمعالجة بطريقة أو بأخرى.. ويجب البحث عن علاج لها باستمرار حتى لا تؤثر على سوية وجماهيرية العمل، لكن يبقى (طاش ما طاش) في النهاية عملا كوميديا وانتقاديا جريئا، خطى بدأب واجتهاد نحو انتزاع مكانته، وترسيخ ملامح نضجه.. وعدم رؤية ذلك أو الاعتراف به من قبل جمهوره المحلي، يصب في خانة تكريس مشكلة الصورة النمطية التي تتعالى على ثقافة الخليج عموما، والتي يبدو أن أبناء الخليج يسهمون فيها، بقصد أو من دون قصد أحيانا.

* ناقد فني سوري

mansoursham@hotmail.com

القدس العربي في

18/01/2011

 

مهازل مهرجان الاعلام العربي بالقاهرة والوسامة العربية في مهب الريح

عادل العوفي  

لا احد يجادل في ان رؤية مهرجانات تلم الشمل وتوحد بين العرب امر يثلج الصدر ويبعث على الارتياح والتفاؤل مهما بلغت درجاته، حتى ان كنا نتمنى بلورته على كافة الاصعدة والمجالات ليس الفنية فقط، خصوصا مع ما نعيشه من تشرذم وفرقة طال امدها وللاسف، ولكن ان تتحول هذه المهرجانات الى مهازل ومسرحيات مخدومة سلفا.

هذا ما لا يمكن تقبله على الاطلاق على غرار ما شهدته الدورة السادسة عشرة من مهرجان الاعلام العربي المنظم بالعاصمة المصرية القاهرة، التي عرفت تتويج البلد المضيف بـ90 جائزة، ما يطرح اكثر من علامة استفهام حول مصداقية هذا المهرجان، فعلى سبيل المثال في مسابقة الاعمال الكوميدية تم تتويج مسلسل 'الكبير قوي' بالذهبية وهو من انتاج قطاع الانتاج المصري، ثم مسلسل 'عايزة اتجوز' بالفضية هنا اطرح سؤالا: الا تنتج باقي الدول العربية الاخرى اعمالا كوميدية يضاهي مستواها الاعمال المتوجة؟

وما هي المعايير المتبعة من طرف لجنة التحكيم؟ لنأخذ مسلسل 'ضيعة ضايعة' كابسط مثال على ان هناك اعمالا تم اقصاؤها من دون وجه حق، فهذا المسلسل حصل على نسبة مشاهدة خرافية بجزأيه الاول والثاني، وهناك اصوات عديدة طالبت باجزاء اخرى منه، ولكن النهاية التي وضعها القائمون على العمل في جزئه الثاني قضت على آمال الجمهور في ذلك، ثم كيف تتم مقارنته بمسلسل اعتمد على مضمون مستهلك جدا، وهو موضوع العنوسة وقدمه بطريقة اقرب ما تكون الى السطحية، والامر الاخر الذي يدعو حقا الى السخرية والضحك هو تتويج مسلسل 'قصة حب' بذهبية الاعمال الاجتماعية التي اتفق الكل على ان مسلسلا ابهر الجميع اولا بطرحه الجريء لموضوع ظل الى الامس القريب غائبا او مغيبا عن شاشتنا العربية ويهم فئة تعيش بيننا، ولكن حقها مهضوم في العديد من الامور وهو مسلسل 'ما وراء الشمس' للمخرج سمير حسين، الذي تناول مشكل الاعاقة بطريقة نالت استحسان الجميع، انا هنا لست مع طرف على حساب الاخر، ولكن هناك مشاهدا لا يجب الاستهانة به والاستخفاف بقدراته، فحينما نتحدث عن تجمع عربي لتكريم الاعمال العربية فيجب ان تكون للجميع كافة الحظوظ في الصعود الى منصة التتويج لا ان يتحول الاخرون الى ارانب للسباق في خدمة بطل حدد سلفا وينتظر فقط اللحظة المناسبة لاستلام جائزته، في الحقيقة لطالما اثارت نتائج هذا المهرجان اشمئزازي ومنذ سنوات خلت لانها تستعمل فقط صفة العربية كغطاء لا اقل ولا اكثر، وكنصيحة للقائمين عليه في النسخة القادمة اقترح عليهم وضع اسم 'مهرجان القاهرة للاعلام' كعنوان وان يزيلوا كل ما يرمز للهوية العربية، لانهم يسيئون اليها اكثر من اي شيء اخر ويكرسون تلك الصورة السلبية التي هي اصلا موجودة عن الدراما المصرية والقائمين عليها.

الهيبة المفقودة

في عصر الفضائيات العربية التي غزت بيوتنا العربية وفي ظل المكانة التي يحظى بها الفيديو كليب والمتابعة القياسية التي يستحوذ عليها ما نتج عنه بالمقابل شهرة واسعة لمطربي ومطربات هذه الايام، صار الجميع يبحث عن التميز والتغريد خارج السرب، ففي زمن يتسابق فيه كل من هب ودب لدخول عالم الفن ولو على حساب المقومات التي من المفترض توفرها 'رغم ان لهذا العصر هو الاخر مقوماته التي لا يجب اغفالها، لعل ابرزها من يظهر اكبر مساحة ممكنة من مفاتن جسده وعلى الملأ وامام ملايين المشاهدين هذا فقط اذا اردت ان تواكب التطور'.

وفي خضم كل هذه التحولات الكبيرة التي تشهدها الساحة الفنية نرى ان هناك ظاهرة جديدة بدأت تفرض نفسها وبحدة متمثلة في استقطاب وجوه اجنبية من كلا الجنسين للمشاركة في الكليبات المصورة، لست ادري ان كان هذا يدخل في نطاق هوسنا الدائم بكل ما هو قادم من الغرب، باعتباره القدوة والمرجع الدائم لنا في كل شيء، رغم تجاهلنا لمسؤوليته الكبيرة في ما آلت اليه اوضاع هذه الامة المغلوبة على امرها، ام ان الوسامة العربية التي كنا نتغنى بها الى عهد قريب فقدت هي الاخرى رونقها ولم تعد تحرك شيئا في قلوب فتيات اليوم؟

ربما هذا صحيح والا فكيف نفسر ظاهرة الزواج بالاجانب التي اصبحت اليوم في ازدياد مستمر، ربما صار لزاما علينا ان نغير الكثير، ليس فقط في طباعنا وطقوسنا اليومية، بل حتى في شكلنا الخارجي كي نحذو حذو فارس الاحلام 'مهند' مثلا الذي بالمناسبة كان بطلا لاحد كليبات الفنانة اللبنانية رولا سعد، وبعد مفاوضات ماراثونية قبل بالظهور في كليب عربي، كما كان حال 'اسمر' مع الفنانة الاردنية ديانا كرزون.

فعلا لا املك غير رثاء زمن فريد الاطرش والعندليب عبد الحليم حافظ، اما نجوم الشاشة العربية اليوم ومعهم الشباب العربي من المحيط الى الخليج فلهم اقول اذا اردتم ان تنالوا الرضا والقبول فما لكم غير الانصياع والركوع تحت اقدام اليسا وهيفاء وكارول ورولا... وغيرهن، لعل قلوبهن ترأف بحالكم وتعيد لكم بعضا من هيبتكم المفقودة لان الوسامة العربية حقا في مهب الريح.

أكله الذئب

لست ادري لماذا كلما قرأت شيئا عن الرسام الفلسطيني العربي ناجي العلي احسست بألم شديد، اولا لانني ومن سوء حظي في السنة ذاتها التي ابصرت فيها نور هذه الحياة كان هو قد غادرها بعد معاناة شديدة وصراع شرس مع اعداء الحرية والابداع والكلمة الصادقة.

ناجي العلي ابن فلسطين الابية التي لم تغادره حتى وهو يكابد تحت وطأة الغربة بدءا بمخيم عين الحلوة بلبنان، حيث كانت بداية العلاقة مع زنازين الاحتلال، وهو لا زال صبيا لتتفجر هناك موهبة الرسم في جدران السجن ضاربا بعرض الحائط كل سطوة وجبروت المحتل، تشاء الصدف ان يلتقي بالكاتب الكبير غسان كنفاني الذي لفتت موهبة الشاب ناجي انتباهه لتكون اولى خطوات التألق على صفحات مجلة 'الحرية' عدد 88 في 25 سبتمبر 1961 (بالمناسبة يوم 25 ايلول/سبتمبر هو يوم ميلادي بالتحديد) وهذا سبب اخر ينضاف لقائمة الاسباب التي تجعلني منبهرا بشخصية هذا الرسام الفريد من نوعه، الذي نفتقده كثيرا في ايامنا هذه، رغم اننا نعيش امتدادا لحالة اليأس والضياع التي لطالما قاومها ناجي العلي برسومه، وللأسف كانت السبب المباشر في اغتياله بلندن على يد مجهولين، على الرغم من اللغط الذي دار حول من يقف وراء تلك العملية، على ان ناجي لم يمت لان 'حنظلة' تلك الشخصية التي ابتدعها مازالت تعيش بيننا الى الان 'حنظلة' الذي قال عنه ناجي العلي انه صبي في العاشرة، الذي ظهر لاول مرة بجريدة 'السياسة' الكويتية والذي ادار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يديه لانه ثائر وليس مطبعا، عكس ما شهدته المنطقة العربية انذاك من عملية تطبيع شامل مع العدو الصهيوني في اطار حلول التسوية الامريكية.

في هذا الاطار اتساءل لماذا بعد فيلم نور الشريف عن شخصية الرسام الفلسطيني العربي ناجي العلي وما اثاره من ضجة انذاك لم نر محاولات جادة لتحويل قصته لعمل تلفزيوني، خصوصا ان حياته مليئة بالاحداث المثيرة التي تعتبر مادة خصبة لكل كاتب يريد ايصال رسالة حقيقية، رغم اننا اليوم نتنافس في تجسيد اشياء تافهة وسطحية.

والى كل من يظن نفسه يقدم فنا راقيا اقول لهم باسمي وباسم كل ابناء جيلي اتمنى ان تحققوا لنا هذا الحلم ونرى قريبا على الشاشة حياة اشهر رسام كاريكاتور عربي.

' كاتب من المغرب

Adil11_el@hotmail.com

القدس العربي في

18/01/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)