جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

"سايكو"... مور يلامس بإصبعه موضع الالم

رانيه عقلة حداد* خاص بـ"سينماتك"

ماذا يعني ان تكون مواطنا امريكيا، لربما بالنسبة لعدد كبير من العرب، يعني ان تعيش في كنف دولة تمنح الانسان الحرية بنظامها الذي يخيل اليهم انه ديمقراطي، وان تشعر بانسانيتك ككائن محترم تحتل اعلى درجة في سلم اولويات الدولة، لكن المخرج الامريكي مايكل مور يساهم في فيلمه الوثائقي الاخير (سايكو) انتاج 2007، بازالة هالة القداسة التي تحيط بالنظام الامريكي.

كمن يلامس باصبعه موضع الالم، هكذا هو مشروع مور كما تظهره مختلف افلامه الوثائقية "منذ روجر وانا" حتى "فهرنهايت 9/11" الذي فضح فيه الاسباب الحقيقية خلف ما يدعي بوش الابن وادراته انها حرب على الارهاب، والآن في "سايكو" يسلط الضوء على جشع شركات التأمين الصحي والادوية المسيطرة على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الامريكية، ويفضح سياسة الادارة الامريكية المتواطئة معها على امتداد عقود، ففسحت المجال لهذه الشركات الربحية ان تتعامل مع واحدة من اهم احتياجات الانسان الاساسية، وهي الرعاية الصحية كمشروع تجاري استثماري يجب ان ينجح ويجني الارباح حتى لو كان على حساب المواطن الامريكي وانسانيته، لذا تطول قائمة الامراض التي لا تشملها التغطية، وان شملتها فهي تحاول التملص من الكثير منها، لتصبح صحة المواطن في مهب الريح.

خلفية مور الصحفية صبغت الفيلم  باسلوب التحقيق الصحفي، فعلى امتداد الفيلم يجري المقابلات مع عدد كبير من المتضررين من هذا النظام فاودت بحياة بعضهم، ويضع هذه الشهادات في الجزء الاول من الفيلم جنبا الى جنب مع  وثائق بالصوت والصورة لبعض رؤساء امريكا وافراد في الحكومة، تؤكد الدور السيء الذي لعبوه في هذا الموضوع.

في الجزء الثاني من الفيلم يعرض لانظمة تأمين صحي ناجحة في دول تحترم الانسان وتضع رعاية صحته على رأس الاولويات، حتى يكاد يكون العلاج مجاني ومتوفر للجميع دون استثناء، من هذه الدول: كندا، بريطانيا، فرنسا، كوبا، يجري مقابلات مع مواطنين عاديين، اطباء، وصيادلة،... في كل هذه الدول، ليضع هذا النموذج الناجح ازاء النموذج الامريكي الفاشل.

ويمعن مور في التهكم والسخرية من نظام التأمين الصحي الامريكي، باستخدام اسلوب المقارنات حين يضع النماذج المتباينة (السيء والجيد) بجوار بعضها، كذلك يجاور شهادات بعض الناس بمقاطع من افلام كلاسيكية كوميدية تعمق الاحساس بالمواطن المسحوق، او يجاورها مع حديث السياسيين فيؤكد على نفاقهم، واحيانا ما يقوله صوت المعلق يؤدي هذا الدور، وغيرها من الامثلة الكثير، وتجلت سخرية مور واستفزازه للادارة الامريكية، عندما وضع نظام الرعاية الصحية فيها (التي هي من دول العالم الاول)، بالمقارنة مع نظام الرعاية الصحية المجانية لكل المواطنين في دولة عدوة لها، الا وهي كوبا (التي هي من دول العالم الثالث)، لتكون نموذجا تحتذي به امريكا التي ما يقارب خمس سكانها خارج التغطية الصحية، ويعرض زيف وتناقض امريكا التي تحتفي بالمتطوعين لازالة انقاض برجي احداث ايلول وتهلل لهم كابطال، لكنها من ناحية اخرى تتنصل من علاج امراضهم التي نجمت عن تطوعهم، في مشهد تهكمي يأخذ مور عددا من هؤلاء المتطوعين في رحلة الى معتقل غوانتانامو الذي يقول مور انه يتوفر فيه مركز صحي متكامل باحدث التقنيات، ويطالبهم عبر مكبر الصوت ان يعالجوا المتضررين الذين برفقته ... فهم رعايا امريكيون لكن دون اي استجابة، ولابد الاشارة هنا انه مهما كانت رغبة مور في التهكم على النظام الامريكي، الا ان هذا ليس مبررا كي يحرف الحقائق موحيا -عن قصد او غير قصد-  بان اسرى غوانتانامو يُعاملون بطريقة لائقة، وينعمون برعاية صحية غير متوفرة للمواطن الامريكي، وكأن المعتقل ليس احد الفظاعات الامريكية التي يجب فضحها.

يؤْثِر مايكل مور ان يشعرنا بتواجده كاحد ابطال الحكاية في مختلف افلامه، فان لم يظهر في مقابلته للناس، صوته القادم من خارج الكادر معلقا على الاحداث يذكرنا بوجوده، حتى احيانا يشعرنا انه يستعرض بتحديه.

رغم جرأة مور في نقد النظام الامريكي، ومن ناحية اخرى اهمية الموضوع الذي يتناوله، الا انه ينتاب المشاهد الملل جراء التكرار والاطالة في الفيلم حيث من الممكن اختصار نصف ساعة اواكثر منه دون ان يؤثر على جودته.

يختم مور فيلمه الذي رشح مؤخرا لنيل الاوسكار بتساؤل... لماذا نهتم ان نستورد من دول اخرى كثير من الاشياء غير الجوهرية، ويأتي الامر عند الامورالمهمة والاساسية كنظام التأمين الصحي فنمتنع عن استيراد وتقليد ما هو احسن، لماذا؟ اين تكمن المشكلة؟

فأمريكا بما لديها من مال تصرفه على الحروب، ولكن ليس على صحة ابنائها؟

* كاتبة في الصحافة السينمائية/الاردن

raniahaddadus@yahoo.com

(The Siko)

سينماتك في 28 يناير 2008

 

 

خاص بـ"سينماتك"