أمين صالح

كتب السينماجديد أمينجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة 

 

أمين صالح.. صديق الأمل

الأيام البحرينية

 

خاص بـ"سينماتك"

ملفات خاصة

أخبار ومحطات

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

أسئلة في النقد السينمائي (5)

الذين يحرثون الذاكرة

ترجمة: أمين صالح

 

     
  

)اجوبة الناقد ديفيد دينبي):

نحن النقاد محظوظون لاننا نكسب رزقنا من فعل ما نحب. في البداية، لا احد كان يريدنا او يحتاج الينا، وقد فرضنا انفسنا ازاء اللامبالاة والازدراء. وقد ناضلنا حتى اصبحنا ما نحن عليه. بالتالي، فإن بقاءنا بحد ذاته هو نوع من الانجاز، نوع من المأثرة، بما ان احدا - باستثناء القلة من المحررين المتنورين والقلة من القراء المتحمسين للمعرفة - لا يرغب في نقد سينمائي جاد في هذه المرحلة.

بالطبع هناك دائما امور حسنة تتجلى في النقد، امور مثيرة للاهتمام يمكن الكتابة عنها. لكن النقد الآن، على المستوى الثقافي، مجرد صورة باهتة لما كان عليه في السابق. نعم، سيكون امرا سارا لو استطعنا العودة الى العام 1986 حين كان جودار لا يزال ينطلق بجواده، او العام 1972 حين كان كوبولا ودي بالما وسكورسيزي يحققون اختراقاتهم ويقرأون بشراهة ما يكتبه النقاد، ويتجادلون حول الافكار المطروحة. لكننا الآن بعيدون جدا عن تلك العهود الغنية وليس من المحتمل ان يظهر مثلها في المستقبل القريب.

اني اتساءل: اي الافلام الامريكية التي عرضت هذا العام تنتمني الى ما يمكن تصنيفها - على نحو لا لبس فيه - في خانة الافلام الممتازة؟ او حتى الخلاقة او الجريئة او المثيرة للاهتمام؟ ان احدى نتائج الانهيار هو المغالاة في اطراء افلام عادية او متوسطة الجودة. ان الانخفاض الحاد في النوعية والجودة يرتطم بالناقد الطموح مثل فأس. وهو لا يستطيع ان يلهب عمله ما لم يكن مأخوذا بالموضوع، وهذا امر صار نادر الحدوث. النقد السابق كان غاضبا، والغضب حالة صحية. كان يعبر بصدق عن خيانة آماله عندما يكون ممكنا انتاج شيء افضل، لكن ذلك الغضب وتلك الآمال تبخرت الآن.

لم يعد النظام بحاجة الى فيلم جيد، لا احد يريد ان ينتجه. والنظام لا يعرف ماذا يفعل به لو انتجه شخص ما. اذن ما الغاية من الكتابة عن افلام سيئة، اسبوعا بعد اسبوع او يوما بعد يوم؟ وسواء احببنا ذلك ام لا، فنحن واقعون في شرك التسويق الذي هو ليس فقط طريقة لتوصيل النتاج الى المستهلكين بل ايضا وسيلة حياة، قانونا. لكن الشيء البغيض بشأن التسويق هو ان غلبه مشوش وغير متجانس، وبلا احساس خاص بالنتاج او الجمهور. ان دائرة التسويق تتحكم في الغالبية.. وحتى في النقاد. لقد تمكنت الاستوديوهات من تهميشنا بوصفنا مهووسين ونزقين، او حولتنا الى افراد غير ضروريين عن طريق محاصرتنا بمأجورين خلقتهم الاستوديوهات وغذوها وشجعوها بالمآدب والرحلات والدعايات.

الوضع قد يكون كالحا وقاسيا على نحو خاص في الجريدة اليومية. فالجرائد في حالة تنافس يائس مع وسائل الاتصال الاخرى من اجل البقاء فحسب. والمحررون والكتاب في بعض الجرائد ربما يعملون تحت ضغط هائل قد يربك تغطيتهم السينمائية. وقد يطلب المحررون من النقاد الضغط على مقالاتهم واختزالها بحيث تبتعد عن ان تكون نقدا حقيقيا. وقد يخبرون الناقد بانه »فقد اتصاله« بالقراء، او ينشرون اراء عادية لقراء او طلبة لاظهار صوت »الشعب«. انهم يعتقدون بان القراء لا يحتاجون الى النقد بل الى تغطية عامة للافلام ولقاءات مع النجوم.

النقد مهنة غريبة. والناقد هو كائن المدينة المغموس في العتمة مرافقا الظلال وباحثا عن السحر. انه مخلص بالضرورة لمهنته. وفي عمله ليس ثمة انتصار، فهو يؤدي خدمة ملبيا النداء الباطني. نقاد السينما يترهلون ويعيشون في خمول، لكنهم يحرثون ذاكرة لانهائية، ويحرثون الامل ايضا.

 

(اجوبة الناقد بيتر رينر):

1- اكتب النقد السينمائي لاني استمتع بعملية تحقيق افكاري وما اشعره من تشوش - بشأن فيلم ما - على الورق. استمتع باكتشاف ما افكر فيه بشأن الفيلم.. في تفاصيله وليس في عمومياته. قد يبدو هذا انانيا، واعتقد انه كذلك، لانني اظن ان اغلب النقاد الذين يزعمون بأنهم يكتبون لجمهور خاص ونوعي وليس لانفسهم، يكذبون. بالطبع، لا بد من ان تضع القارئ نصب عينيك، لكن لا ينبغي للنقد، كاسلوب وافكار، ان يكون خاضعا للتغيير حسب مزاج الاخرين. واذا استبعدنا قيود الحيز المتاح لمادتك، فانني دائما اتحدث بالصوت ذاته.. الخاص بي.

اعتقد ان على النقاد ان يفترضوا لانفسهم نوعا من القراء المثاليين من اجل استنباط افضل ما لديهم. واذا كانت مجلتك لا توفر لك اولئك القراء فيجب عليك ان تتظاهر بوجودهم، وبالتالي تنشأ صلة متخيلة بين الكاتب والقارئ. مع ذلك فأنت لا تستطيع ابدا ان تكون صالحا او نافعا على نحو تام لهذا القارئ المثالي او لنفسك »الرضا عن النفس، بالنسبة للناقد، يساوي الموت«. في الكتابة النقدية اقترح طريقتي في التفكير، في التعبير عن نفسي، آملا ان يؤدي هذا بشخص ما الى مشاهدة الفيلم بعين اكثر اتساعا وانفتاحا.

2- نقد الافلام يمكن ان يكون صارما، انطباعيا، لاذعا، مسليا، رهيفا.. لكن العنصر الهام في ذلك هو ان تكون الكتابة جيدة. الناقد كاتب قبل اي شيء اخر، والافضل ان يكون فنانا، النقد، في مستواه الاعلى، فن وليس علما. الاحكام هامة في النقد لكن ذوق الكاتب ليس معصوما، ولا يمكن حتى وضع معيار له. ليس مهما ان تتفق مع الناقد بل ان تشعر بالتحدي.

لقد كرست نفسي لدراسة تاريخ السينما واحببت كل ما يتعلق بالافلام. ان مشاهدة الافلام ينبغي ان تكون، قبل اي شيء اخر، تجربة ممتعة.

3- رجال التسويق في الاستوديوهات نجحوا - الى حد ما - في تهميش دور النقاد، وهذا ربما ليس امرا سيئا اذ لا اظن ان على النقاد ان يجعلوا من انفسهم ذواقة نيابة عن الامة.

4- لدي امتياز الكتابة عن الافلام التي ارغب في التحدث عنها وبالمساحة التي تتيح لي عادة قول ما اريد. من الصعب مجاراة كل الافلام والكتابة عنها. الافلام متاحة على اشرطة الفيديو لكن مشاهدتها لغرض الكتابة عنها امر مشكوك فيه، مع انني ادرك بان اغلب النقاد يفعلون ذلك فهي الوسيلة الوحيدة لمتابعة كل ما ينتج.

 

(اجوبة الناقدة ليزا شوارزبوم):

1- اكتب النقد السينمائي بحيث يكون بامكان قراء المجلة المقارنة بين كيفية رؤيتي لفيلم معين وهذا ما اشرحه في مقالتي وكيفية مشاهدتهم للفيلم نفسه. بالطبع ارجو استمالتهم الى جانبي من خلال القدرة على الاقناع او البراعة في العرض او الاستبصار لكنني اكون سعيدة ايضا اذا لم يتفقوا معي. اشعر انني انجز مهمتي على نحو جيد اذا حاولت ان ابرهن على موقفي بوضوح، واذا اقترحت نواحي جديدة للجمهور لكي يأخذ بعين الاعتبار فيلما او مخرجا او ممثلا او اسلوبا بصريا معينا، حتى لو كان القارئ يرفض اساسا طريقتي في فهم الموضوع اني ارغب في توصيل المتعة والاثارة التي يحققها الوسط السينمائي، كما اريد ان اكسب التأييد لصالح معايير رفيعة.. خصوصا وان النقد هو الحصن الوحيد ضد الهجوم المتصاعد على الدوام والذي يشنه الهراء التسويقي الذي من خلاله يتعين على مشتري التذاكر المحتملين ان يقرروا ما يرغبون في مشاهدته.

2- بدون الكتابة الجيدة، حتى النقد الواسع المعرفة، الحاد الملاحظة، الاكثر اقناعا بالحجة والمنطق، يكون عرضة للنسيان او مستغلقا او منفرا او فاتراً السبب الذي جعل من ناقدة مثل بولين كايل تثير قراءها كان قدرنا على التعبير، لغتها، الشغف الذي تنقله الى القارئ بواسطة الكلمات. الامر نفسه مع الناقد جيمس آجي. بالطبع، يمكن للاسلوب ان يكون خطيرا، متحليا بجماليات مهترئة وميول قابلة للجدل.

النقد الملفت هو ذلك الذي يحلل بثقة وعلى نحو رائع ضمن سياق يتيح للقارئ ان يدخل في المناقشة او الجدل. ذلك السياق يمكن ان يكون عالميا وشاملا كما هي القضايا الاجتماعية او السياسية التي يعالجها الفيلم او ان يكون خاصا ومحددا كما هي الخاصيات الجمالية للناقد، لكن الحجج والبراهين تحتاج الى ان تتجلى على نحو طبيعي ومنطقي. احيانا النقد الملفت هو ذلك الذي يستطيع ان يوصل، على نحو حسي، الاحساس السينمائي الفعلي لما يراه الكاتب بحيث يشعر القارئ بانه يرى الشيء ذاته ايضا.

3- علاقة التعايش بين نقاد السينما وصناعة السينما هي معرضة للشبهة او خالية من العواذق، لكن ثمة دائما احساسا بالضغوطات. صناعة السينما تريد نقدا ايجابيا، ونحن نريد افلاما جيدة. احيانا نكون بالضرورة اشرارا من وجهة نظرهم. واحيانا هم يعلمون باننا نستطيع ان نكون ذا فائدة كبيرة لهم عندما تدافع عن فيلم او مخرج او ممثل.

4- الجريدة او المجلة قد تعين الحواجز التي يواجهها كل ناقد. لكن العائق الاكبر هو الانتقاء ورغم اننا في المجلة نغطي مدى واسعا من الافلام الجديدة، الا ان هناك افلاما تمر دون انتباه.

حريدة الأيام في 24 أكتوبر 2004