أمين صالح

كتب السينماجديد أمينجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة 

 

أمين صالح.. صديق الأمل

الأيام البحرينية

 

خاص بـ"سينماتك"

ملفات خاصة

أخبار ومحطات

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

المخرج والسيناريو..

بناء حي لكنه هش

كتابة: أندريه تاركوفسكي    ترجمة: أمين صالح

 

     
  

عندما تكون لدى الكاتب والمخرج نقاط اطلاق جمالية مختلفة فإن التسوية والوصول الى حل وسط سيكون مستحيلاً، ذلك سوف يدمر الفكرة الحقيقية للفيلم ولن يعود ممكناً تحقيق الفيلم.

حين يحدث تضارب كهذا فسوف لن يكون هناك غير منفذ واحد: أن يتحول السيناريو الأدبي الى بيئة جديدة والتي عند مرحلة معينة من صنع الفيلم، سوف تدعى سيناريو التصوير، وفي اثناء العمل على هذا السيناريو، سيكون مؤلف الفيلم »وليس مؤلف السيناريو« مخولاً لأن يوجه السيناريو الأدبي هذه الوجهة او تلك كما يشاء كل ما يهم هو أن رؤيته ينبغي ان تكون كاملة، دون اي مساس بها، وان تكون كل كلمة في السيناريو معبرة عما يريده، وتمر عبر تجربته الابداعية الخاصة، ذلك لأن وسط أكوام من الصفحات المكتوبة، والممثلين، والأماكن المختارة كمواقع للتصوير، والحوار الأكثر براعة، والرسوم التخطيطية، هناك ينتصب شخص واحد فقط: المخرج، هو وحدة، بوصفه »الفلتر« الأخير في العملية الابداعية لصنع الفيلم.

عندما لا يكون كاتب السيناريو والمخرج شخصاً واحداً، فعندئذ سوف نشهد تعارضاً غير قابل للحل والذوبان، خاصة اذا كان كل منهما يتوهم الكمال.

اتهام المخرج بأنه »افسد فكرة جيدة« ليس دائماً مبرراً، الفكرة غالباً ما تكون أدبية وهي مثيرة للإهتمام فقط لأنها كذلك الى حد ان المخرج مجبر على تحويلها وتغيير اتجاهها في سبل تحقيق الفيلم، في افضل الأحوال، الجانب الأدبي للسيناريو »بصرف النظر عن الحوار« يمكن ان يكون نافعاً للمخرج كمؤشر الى المحتوى العاطفي لحدث ما، او مشهد ما، او حتى للفيلم كله.

السيناريو الحقيقي، بالنسبة لي، هو الذي ليس مطلوباً منه، بذاته وبمعزل عن الاشياء الأخرى، ان يؤثر في القارئ بأي طريقة تامة، ونهائية، لكنه المعد كلياً لأن يتحول الى فيلم، وهكذا فقط يحرز شكله النهائي.

كتاب السيناريو، من جهة أخرى، يؤدون وظيفة هامة، والتي تقتضي موهبة أدبية حقيقية فيما يتصل بالاستبصار السيكولوجي، هنا، في هذا الموضع، يحدث الأدب تأثيراً على السينما والذي هو مفيد وضروري معاً، فلا يخنق السينما ولا يشوهها.

لكل حالة فردية، السينما تقتضي من المخرج وكاتب السيناريو معاً معرفة هائلة، وبالتالي يتعين على مبدع الفيلم ان يمتلك شيئاً مشتركاً مع كاتب السيناريو، ذلك لأن التكوين التشكيلي للفيلم يتوقف الى حد كبير، على نحو حاسم غالباً، على الحالة الخاصة للشخصية في ظروف معينة، وكاتب السيناريو يستطيع، وفي الواقع يجب، ان يقدم للمخرج معرفته الخاصة بالحقيقة الكاملة بشأن تلك الحالة الداخلية حتى الى درجة اعلامه كيف يبني الميزانين، بإمكان المرء ان يكتب ببساطة:

«الشخصيات تتوقف قرب الجدار» ثم ينصرف الى كتابة الحوار بينهم، لكن ما هو الشيء الخاص والاستثنائي بشأن الكلمات التي تقال، وهل هي تنسجم مع الوقوف عند الجدار؟ ان معنى المشهد لا يمكن تركيزه او تكثيفه ضمن الكلمات التي تنطقها الشخصيات حين يستلم المخرج السيناريو، ويبدأ في الاشتغال عليه، يحدث دائماً ان السيناريو مهما كانت فكرته العامة عميقة، وهدفه محدداً بأحكام يخضع على نحو محتوم الى نوع من التغيير، انه لا يتسجد أبداً على الشاشة حرفياً، كلمة كلمة، صورة صورة، بل ثمة دائماً تعديلات بناء على ذلك، فإن التعاون بين كاتب وسيناريو والمخرج يتجه الى ان يكون مكتنفاً بالصعوبة والخلاف، الفيلم الفعال يمكن ان يتحقق حتى عندما تتهشم وتتدمر الفكرة العامة اثناء عملهم » المخرج والكاتب« معاً، فمن الدمار تنبثق فكرة جديدة، كينونه جديدة.

لا استطيع ان اتفق مع رأي رينيه كلير القائل بأن ما ان تتكون لديك فكرة عن الفيلم فلا يبقى لك الا ان تصوره، انها طريقة مختلفة تماماً عن تلك التي احقق بها السيناريو على الشاشة، ليس ذلك لأنني أجد نفسي أقوم بتغييرات اساسية للفكرة الاصلية للفيلم، فالباعث الأولي للفيلم يظل كما هو دون تغيير وينبغي تحققه في العمل المنجز لكن، من ناحية ثانية، اثناء التصوير والمونتاج واعداد التسجيل الصوتي، الفكرة تثابر في التبلور في اشكال دقيقة، وبناء الصورة لا يكون محسوماً الا في الدقيقة الأخيرة، ان عملية انتاج اي عمل فني تعني الصراع مع المادة، احكام السيطرة عليها من أجل التحقيق الكامل والمثالي للمفهوم الذي يظل حياً في تأثير الفنان المباشر.

انه خطأ فادح، بل يمكن ان اقول، خطأ مهلك، ان تحاول تحقيق فيلم يتطابق تماماً، وعلى نحو دقيق، مع ما هو مكتوب على الورق، وان تنقل الى الشاشة بنى وتراكيب تم التفكير فيها سلفاً، وعلى نحو فكري محض، فإن هذه العملية البسيطة يمكن ان يقوم بها اي مهني محترف، ولأن الابداع الفني عملية حية ومتقدة فإنه يقتضي القدرة على الرصد المباشر للعالم المادي، المتغير على الدوام، والذي هو باستمرار في حالة حركة.

انا لا أنظر الى السيناريو بوصفه نوعاً أدبياً، في الواقع، كلما كان السيناريو سينمائياً أكثر، قلت امكانية مطالبته باحتلال منزلة أدبية بحكم حقه الشخصي، ونحن نعرف انه في التطبيق، السيناريو لا يبلغ مستوى الأدب، ان فكرة وغاية الفيلم، وتحققهما ينبغي في النهاية ان تكون مسئولية المخرج المبدع، والا فإنه لا يستطيع ان يمارس سيطرة حقيقية وفعالة على التصوير.

بالطبع المخرج وهو في الواقع يفعل ذلك غالباً ان يلجأ الى كاتب يتفق ان يكون له روحاً شقيقة، الكاتب، في قدرته واهليته ككاتب سيناريو، يصبح عندئذ مشاركاً في التأليف.

اذا اظهر السيناريو انه مجرد خطة مفصلة للفيلم، واذا تضمن فقط ما يكون قابلاً للتصوير وكيفية تصويره او انجازه، عندئذ سيكون لدينا ما يمكن ان نعتبره نسخة ذات بصيرة للفيلم المنجز.

السيناريو، بالنسبة لي، بناء حي، هش، متغير دائماً، والفيلم لا يأخذ شكله النهائي الا لحظة اكتمال العمل، السيناريو مجرد قاعدة، نقطة انطلاق، منها يبدأ الفنان في السبر والاستكشاف.

اشياء كثيرة لا يمكن توقعها وصياغتها وبناءها الا اثناء التصوير، سيناريوهات افلامي الأولى كانت مبنية بشكل واضح، لكن حين بدأنا العمل في فيلم »المرآة« قررنا على نحو معتمد الا نجعل الفيلم يتحقق ويكتمل مسبقاً قبل تصوير المادة، كان مهماً بالنسبة لنا ان نرى كيف، وتحت اية شروط وحالات، يمكن للفيلم ان يتشكل بذاته: وذلك بالاعتماد على اللقطات، على الاتصال بالممثلين، ومن خلال بناء المواقع والطريقة التي بها يتكيف الفيلم مع الاماكن المختارة كمواقع.

لم نرسم تصميمات توجيهية للمشاهد او الاجزاء بوصفها كينونات بصرية مكتلمة ونهائية، لقد اشتغلنا على الاحساس الحاد بالجو والتقمص العاطفي مع الشخصيات، والذي اقتضى -في الموقع ذاته- تحققاً تشكيلياً دقيقاً، انني اذهب الى الموقع من اجل ان افهم بأية وسيلة يمكن التعبير عن تلك الحالة في الفيلم، وما ان افهمها حتى اشرع في تصويرها.

حريدة الأيام في 25 يوليو 2004