أمين صالح

كتب السينماجديد أمينجريدة الأيامجريدة الوطنالقديم.. الجديدملفات خاصة 

 

أمين صالح.. صديق الأمل

الأيام البحرينية

 

خاص بـ"سينماتك"

ملفات خاصة

أخبار ومحطات

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

بين الرواية والفيلم

(1)

بقلم: أمين صالح

 

     
  

في عام 1897 لخص الكاتب "جوزيف كوزاد" طموح الروائي عندما قال: «مهمتي التي أحاول إنجازها - بواسطة الكلمة المكتوبة - هي ان اجعلكم تسمعون وتشعرون وقبل كل شئ أن أجعلكم ترون». بعد سنوات قليلة جاء السينمائي لينجز هذه المهمة. السينما كانت تستمد مادتها من المصادر الأدبية (الرواية، القصة، المسرح) - خصوصاً الروايات بمستوياتها المتفاوتة من الأهمية أو المكانة الثقافية - منذ ان كرست السينما نفسها كوسط سردي.. أو بالأحرى بعد السنوات الأولى من ميلاد السينما هي إذن قديمة وهي علاقة جدلية بين مجالين أو وسطين متفاعلين الى حد بعيد. وإذا كانت الرواية تنشط وتفعل مخيلتنا فإن الفيلم المأخوذ عن الرواية ينشط ويفعل ذاكرتنا التي اختزنت احداث وشخوص الرواية ثم ينتقل الى المخيلة على مستوى جمالي مختلف.

لذلك فإن مسألة الاعداد أو التحويل كانت مسألة خلافية ومثار نقاش وجدل منذ البداية دون ان تحسم.. ربما لأنها ليست للحسم بل ستظل كذلك مع كل تحويل لنص أدبي الى الشاشة والذي ينشط عملية التحويل ان الوسطين مجالان مثاليان للسرد إنهما أكثر الصيغ إو الأشكال السردية رواجاً وشعبية كذلك فإن الرواية مصدر ثري للمادة الجاهزة حيث القصص والشخوص والأحداث بينما النصوص المكتوبة خصيصاً للسينما هي قليلة. لكن هناك أيضا الدوافع التجارية حيث تستمر السينما في نجاح وشهرة الرواية وليس فقط رصانة ومتانة وقوة المادة. الأدبية.. من أجل تحقيق الربح.

والآن ماهي المشكلات التي تعترض المخرج في معالجة رواية تبلغ صفحاتها المئات وتحتوي على العديد من الخيوط المختلفة؟ أي بنية سينمائية يجدها المخرج ملائمة لتحويل هذه الأشياء الى الشاشة؟

قبل عرض هذه المسألة ينبغي ملاحظة الفروقات بين الوسطين: الرواية والفيلم فالرواية تحلل بينما الفيلم يرصد، الرواية داخلية أما الفيلم فيصور الخارج، الرواية هي عن ما تفكر فيه الشخصيات الفيلم هو عما تفعله الشخصيات - الفيلم يتعامل مع الجوهر بدرجة أقل ومع التفاصيل بدرجة أكبر.

الفيلم بخلاف الأدب لا يملك لغة ذات قوانين منسقة وقواعد وعلم نحو وصرف وبناء الجمل الفيلم - كما يرى بازوليني - فعال في تعبيره عن الرؤية أكثر من كونه وسطاً لتوصيل أفكارمركبة. الأدب الذي هو مرتبط ببنى وتراكيب من القواعد اللغوية منذ مئات السنين هو وسط متجانس وملائم أكثر لتلك الأفكار.

الرواية تعتمد على نظام من الإشارات اللفظية بينما الفيلم يعتمد على البصري والسمعي واللفظي. اللغة الأدبية حافلة بالمجازات والرموز والتشبيهات والصورة الأدبية - كما تقول فرجينيا وولف - تستدعي العديد من الإيحاءات ليست الإيحاءات البصرية الا واحدة منها وترى فرجينيا وولف ان نتائج تحويل التعبير اللغوي الى صور مرئية تكون خطيرة بالنسبة لهما معاً فالخلاف بينهما على قدر من الإتساع لا يمكن تجاوزه فاللغة لها قوانينها الخاصة ولا يمكن فصل الشخصيات الأدبية عن اللغة التي تشكلها.

اللغة الأدبية تقوم على الحروف والكلمات أما السينما فسمعية ومرئية تعتمد على الكاميرا والإضاءة والمونتاج والصوت والموسيقى والألوان والملابس في تمديد واثراء وتعميق المنظور أو المادة. وبالتالي فإن الوصف اللفظي للشخصيات والأمكنة والأفكار لا يمكن نقلها الى وسط آخر لا يعتمد على اللفظ. أما الرمز فيوجد في الفيلم كفكرة أكثر منه كصورة.

من الضروري ملاحظة ان الفارق الأساسي يكمن في الطريق التي بها يتم إنتاج الصورة في كلا الوسطين وكيفية إستقبالها إذ بين الإدراك الحسي للصورة البصرية ومفهوم الصورة الذهنية يوجد جذر الإختلاف بين الوسطين.

السينما تقدم صورا متتابعة والتي تفرض نفسها على المتفرج بماديتها وليس باحتكامها الى التجريد. ان تعاقب الصورة يخلق الحس الخاص بها والذي هو مستقل تماماً عن التراكيب المنطقية حتى عندما تحاول الأفلام ان تقدم قصة منطقية فإن الصور تتجلى في سرعة هائلة الى حد أن المتفرج بالكاد يجاري ما يفسر منطق الصور.

مهما حفلت الرواية بالأحداث والوقائع التفصيلية فإن القارئ لا يكتفي بذلك بل يذهب الى قراءة ما بين السطور انه لا يكتفي بالوصف الدقيق والمحكم لأي شخصية أو عاطفة أو شيء أو مكان بل يخضع كل هذا لنشاطه التخيلي ولحكمه الخاص أما الفيلم فمعروض باستقلالية ودون تحكم من المشاهد وعلى نحو منفصل عن واقع أو عالم المتفرج إنه يشاهد بمختلف الإنفعالات وهو مسيج بالظلام في صالة السينما مستسلما للصور. وإذا كان القارئ يقدر ان يتحكم - أثناء قراءة الرواية - في اختيار الوقت والمكان في التوقف والتأمل في الإنقطاع عن القراءة فترة ثم استئنافها أو ربما إهمالها إذا كانت الرواية مضجرة أو سيئة فإن الفيلم لا يتوقف - حسب رغبة المتفرج - ليتأمل ما رآه وليمعن التفكير فيه.( نحن هنا نتحدث عن المشاهدة السينمائية وليس عن الفيديو مثلا).. فالفيلم معروض في فترة زمنية محدودة تستغرق الساعتين أو أقل أو أكثر بقليل وأثناء المشاهدة فإن كل ما يحتاجه المتفرج هو ذاكرة تربط اللقطات التي سبق أن رآها مع لقطات قادمة تتحرك على نحو سريع ولا تتيح له ان يتأملها لحظة المشاهدة - تكون سريعة أو عابرة والأحكام تتعرض للنقص والتغير مع استمرار الفيلم وغالباً ما تكون - هذه الأحكام - مؤجلة حتى ينتهي الفيلم.

بمعني اخر الفيلم يفرض علينا واقعة المباشر والفوري أما الرواية فلا تفرض واقعها بل تقترحه متيحة الوقت للتأمل المتفرج سلبي يرى الواقع والقارئ إيجابي يتخيل الواقع بمخيلته النشطة يبعث الحياة في ما يقرأ حتى بدون إرادة ونوايا الكاتب. اذن حتي لو احتفظ الفيلم المعد بكل وظائف الشخصيات الرئيسية والأنماط السيكولوجية فإن استجابات المتفرج تكون مختلفة تماما عن استجابات القارئ.

حريدة الأيام في  16 مارس 2004