حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

 

طاهر علوان يكتب لـ"سينماتك"

كتابة

 

خاص بـ"سينماتك"

ملفات خاصة

أخبار ومحطات

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

السينما في عصر العنف والإستبداد

 

     
  

I

ربما بدا الحديث المتصل في الشأن السينمائي وفي نطاق هذا الذي نعيش فصوله من اوضاع عربية  , حديثا في الأحلام والأماني السعيدة , وربما اغرقنا في تطوير المسألة برمتها الى مستوى ربط العملية السينمائية باتجاهات ومستقبل واستراتيجية التنمية كما فعلنا ذلك في اعمدة سابقة  , وهذا الأغراق يتوازى مع اوضاع محتقنة وازمات لاتريد ان تنتهي بل انها تتجدد وتتجدد معها ازمة هذا الأنسان .

ازمة هذا الأنسان ربما هي ازمة جيل من الشباب الذين ظلوا طيلة فتوتهم وشوطا من شبابهم وهم اسرى الفراغ الفكري والجمالي , واسرى العنف و  ( عسكرة المفاهيم ) والدوغمائية واستبدادية العقل البطريركي . وعلى هذا تم تهميش الوعي والأحساس بالجمال في موازاة موج عارم من البشاعة والتخلف , وعلى هذا ايضا صار الحديث في شأن فن الفيلم حديثا عن معميات او هوامش او امان خجلى وهدرا للوقت والجهود .ذلك ان الوعي الجمعي المأزوم ملاحق باستحقاقات هي اقرب الى العصاب والفصام  منها الى العقل ونزعة الخير والجمال التي فطر عليها الكائن البشري وهو يتسلم هذا التنوع المهول للجمال الذي تنطوي عليه الطبيعة البشرية وغير البشرية وهذا الأكتمال والتناسق الخلاق الذي جبلت عليه الذات , هذا قبل ان تفطم على مرارة العنف والوحشية والدموية والكراهية والحقد والضغينة ونزعات الأنتقام وسائر الأمراض الكارثية التي تفتك بالكائن البشري.

من هنا صرنا نستقبل سينما تتناغم مع هذا الذي الذي يعيشه الكوكب الأرضي اليوم من ازمات وصراعات محتدمة , وصرنا ازاء نزعات القسوة والعنف والرعب المستورد عبر سينما اليوم وجمهورها الشبابي.

وعلى هذا صرنا نرى غير ما يرى الساسة او النظريين غير المبالين بهذا التشكل الجديد للوعي ,  صرنا نرى اهمية قصوى ( لأعادة اعمار الجمال في  الذات ) و ( اعمار البنى التحتية للذائقة الأنسانية ) و ( انشاء مشاريع خدمية لتطوير احساس الأنسان بالجمال ) و ( تدريبه على الخروج رافضا اطوار البشاعة والوحشية والدونية ) .

لسنا في حاجة الى منحة دول مانحة لم يقبض منها الناس في هذا الوطن غير الريح حتى الآن , وليس غير الوجوه التي تستهلك نفسها بالمؤتمرات الصحافية , اشخاص من الساسة واشباههم  هم ( ابطال الفضائيات ) بلا منازع وناثروا الأماني بامتياز , بينما المد ( العنيف ) يمضي باتجاه اهدافه ومراميه واغراضه , ما بين هذا وذاك كان غاندي على الشاشة واسمحوا لي بهذا التنويع المتداخل للفكرة , فقد قاوم غاندي بشاعة الأستعمار ووطأته بفلسفة الجمال التي تمثلت في الدروس التي قدمتها امة الهند للعالم اجمع , وكان على الشاشة هو الممثل الشهير بن كنغسلي , صورة اخرى لتجلي الذات عبر ثورة الملح وعبر الحرب بالفكر والوعي وسلاح السلام الذ ي طالما دحر العنف وصرع البشاعة بكل صورها .

II

لنعد اذا الى القصة ... الى سؤال يتعلق بحاجة الوطن للبنى التحتية ... اجل ... ومستوردات من القمح ,, وكهرباء وماء غير ملوث .... وفن غير ملوث ... وسينما غير ملوثة ... ان يتعلم الناس لغة الجمال وتغدو اداة من ادواتهم لصنع الغد ... بأشاعة الجمال وازدراء البشاعة والوحشية ... اجل نحن في حاجة الى تربية جمالية تعود بي الى فيختة وخطاباته الى الأمة الألمانية ليس باتجاه التمهيد للصعود النازي القبيح والبشع بل صعود الجمال .

من هنا لم اعد ارى الخوض في سينما افتراضية مجرد خوض في ادوات الأستهلاك والمثاليات , انه تأسيس للوعي من جهة اخرى , الوعي الذي يواجه  استحقاقات شتى تنطلق من قراءة تعقيدات ومعضلات بل وكوارث هذا الواقع المعيش وكلها تحمل مالايحصى من القصص , وبما في ذلك تداعيات شتى فتكت بحياة الفرد ابتداءا من عبودية الفرد وليس انتهاءا بالتشكيك والكراهية الظاهرة والباطنة , وكلها علل يمكن لأطباء النفس والعقل مداواتها لكن ليس ارقى من القيم الرفيعة الممثلة في الخير والجمال والحب بلسما شافيا  .

بموازاة ذلك وجد الناس نعمة من نعم الحضارة والمدنية ممثلة في هذا الكم من الشاشات التي تتسلل الى مخادع الناس وتطلع على صور خاصة من حياتهم ... هي الشاشات الفضائية التي طالما حلمت  البشرية بما ستحمله من قيم رفيعة , لكن هيهات , فهي محملة بكم غزير من البشاعة والعنف وظلم الأنسان وبذا لم يعد مستغربا ان يتتلمذ ابناؤنا  الصغار- بغير ذنب - على قيم كارثية بذرتها الكراهية وسداها الأنتقام ولحمتها استقبال القبح والبشاعة على انه نهج حياتي لا بديل عنه .

III

ستتباين القصة بتباين المجتمعات لكن ما هو حاصل فعلا هو انجذاب الجيل انجذاب الفراشات الى شعلة المصابيح المحرقة الى هذا النتاج الآخذ في التضخم , وسط تراجع مذهل للخطاب الذي يفترض ان ننتجه نحن , من وعينا المتقدم وذاكرتنا وخبراتنا وصور حياتنا وازماتنا وكل الصراعات التي تحتدم فيما بيننا افرادا وجماعات , كل هذه وغيرها بحاجة الى العدسة الأقرب الينا , السينما الأفتراضية التي نريد تأسيسها وننادي بها بالأمس واليوم وغدا ... فما بين اتخاذها اداة لأشاعة الجمال والخير , فهي اداة لوعينا وثقافتنا الجمعية في ازماتنا وما هي عليه . وعلى هذا سيغدو تجاهل هذه الحقيقة تجاهلا لعشرات الأشياء الراقية والحضارية واستبدالها بما عشنا ونعيش فصوله من مفردات ماانفكت تفتك بصور وقيم الجمال والسمو والرقي والتحضر الى مفاهيم اكثر انحدارا واشد بشاعة مما نتصور ...

لعل المضي في هذا كله سيقودنا الى تأسيس مفاهيم وسياقات اهم مافيها انها اقرب الى الواقع واكثر التحاما بحياة الناس , مفاهيم وسياقات تتحدث عنها الصورة وتقدمها للناس على انه افق بديل , اجل نحن بحاجة الى رؤية جديدة والى اجابات محددة حول ( الهوية ) و ( الذات ) و ( نحن ) و ( الآخر ) , هذه المفاهيم التي جرى ويجري استبدالها بأخرى او يجري ترويجها وتسويقها وهي مدعمة بالخراب والأذى والتعقيد والأنغلاق عن العصر والأنغلاق عن الآخر , سينما بهذا التأطير لم تعد مجرد حلم طوباوي في عراق اليوم بل هي صوت من بين اصوات ابداعية اخرى يجري تفعيلها من اجل صنع المستقبل المفعم بالجمال والأمل والتحدي والأصرار على صنع الغد الأكثر اشراقا .

http://dimension4future.blogspot.com/

سينماتك في 3 نوفمبر 2007