حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

 

محمّد رُضا يكتب لـ"سينماتك"

أوراق ناقد

 

خاص بـ"سينماتك"

ملفات خاصة

أخبار ومحطات

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

لهاليبو

 

     

  

هناك صورة التقطت في مطلع الخمسينات لي ولوالدي رحمه الله، في ساحة البرج ببيروت ووراءنا صالة سينما شعبية (عرض ثاني وثالث) تعرض فيلماً عربياً مع سامية جمال على المٌلصق عنوانه »لهاليبو«. كان عمري لا يزيد عن ثلاث سنوا وفي الصورة والدي يمسك بيدي وأنا أمشي وينظر اليّ كيف أمشي.

بعد وفاته قبل ثلاثة أعوام، حلمت بأنه تركني عند ساقية ماء ومشى بعيداً عني. صحت به »هناك بئر ماء«، نظر إليّ وابتسم ومضى.

الصورة الأولى هي أول بداية لي مع السينما. صورة فوتوغرافية »حقيقية«. ليس فيها جمالية سينمائية ما، بل جماليتها في إيحائها ومضمونها من بعد أن عزفت عن كل عمل آخر أتيح لي، وبل عن إستكمال دراستي، وغرقت في العمل السينمائي الى اليوم. لم لا أعرف إذا كنت ووالدي خارجين من تلك السينما او من سينما أخرى لا تظهر في الصورة، فساحة البرج وجوارها كانت مليئة بصالات السينما. إذا كنا خرجنا من تلك الصالة، فمعنى ذلك أني شاهدت »لهاليبو« لكني لا أذكر منه سوى »البوستر« لأنه في تلك الصورة التي لا زلت أحتفظ بها. إذا لم نرى ذلك الفيلم في ذلك اليوم، فأنا بالتأكيد لم أر الفيلم لاحقاً لا في السينما ولا معاداً على شاشة التلفزيون. هذه اللحظة التي أصل بها الى هذه العبارة يخطر لي أن إسم محمد الكحلاوي كان أيضاً على البوستر. لا أدري. عليّ أن أعود الى تلك الصورة.

 الصورة الثانية خيالية. لو كنت مخرجاً لحوّلتها الى مشهد. هي جمالية جداً. شعرية الى حد كبير. الأرض التي نقطعها مشياً. الوحدة التي تجمعنا. الماء ينبع من الأرض. والدي الذي يتركني عندها ويبتعد.

أعتقد أن الحلم في البال يتألّف من مفهومك للصورة أيضاً. إذا كانت علاقتك مع الصورة محدودة جدّاً، فإنك ستشاهد الحلم او »المنام« بتفاصيل بصرية مختلفة. أعتقد أن الناقد السينمائي تصله  أحلامه محلاّة بتفاصيل بصرية كما لو كانت جزءاً من فيلم، بما في ذلك زاوية اللقطة، حجم اللقطة ولونها الضوئي.

أتساءل: من التقط تلك الصورة الأولى لي؟ أعتقد إنه كان مصوّراً فوتوغرافياً من الذين كانوا منتشرين يعرضون تصوير المرء لقاء ربع ليرة (أو أقل يومها). لماذا تقدّم منّا وعرض طالما أن الطريق كانت مليئة بالمشاة؟ ما هو هذا التدبير الإلهي الأكبر من القدرة على الإحاطة  الذي ساق المصوّر إلينا، فالتقطها لكي أحفظها ولكي أتحدّث عنها اليوم؟ ماذا حدث لهذا المصوّر؟

هذا السؤال الأخير ينبع من أنني في الحقيقة أتساءل عما حدث لكثير من الناس خصوصاً اولئك الممثلين الذين يبقون في الخلفية. أمضوا حياتهم يصلون الى مكان التصوير ويقفون على مقربة من التصوير الى أن يصبح بهم مساعد المخرج ليطلب منهم إداء حركة صغيرة مثل أن يمر بالمشهد، او مثل أن يجتمع حول إمرأة تصرخ لسبب او أن يترنّح من شدّة السكر في حانة.

ربما الأرجح أن أسأل نفسي... ما حدث لي؟

أصبحت ناقداً. كنت أريد أن أصبح مخرجاً. أحياناً أعتقد أن الأمر لا يزال ممكناً... فقط لو بدأت أسعى. لكني ربما ما زلت مرتاحاً في مكاني الحالي ناقداً يُعاين أفلام الغير.... او ربما هذا كل ما أريد أن أفعله في حياتي.

سينماتك في 23 أبريل 2007